وافقنا على اشتراط النية لا نعلم بينهم فيه اختلافا، فإن نوى بالطهارة مالا تشرع له الطهارة كالتبرد والاكل والبيع والنكاح ونحوه ولم ينو الطهارة الشرعية لم يرتفع حدثه لأنه لم ينو الطهارة ولا ما يتضمن نيتها فلم يحصل له شئ كالذي لم يقصد شيئا، وان نوى تجديد الطهارة فتبين أنه كان محدثا فهل تصح طهارته؟ على روايتين (إحداهما) تصح لأنه نوى طهارة شرعية فينبغي أن يحصل له ما نواه للخبر وقياسا على ما لو نوى رفع الحدث (والثانية) لا تصح طهارته لأنه لم ينو رفع الحدث ولا ما تضمنه أشبه ما لم نوى التبرد، وان نوى ما تشرع له الطهارة ولا تشترط كقراءة القرآن والآذان والنوم فهل يرتفع حدثه؟ على وجهين أصلهما إذا نوى تجديد الوضوء وهو محدث والأولى صحة طهارته لأنه نوى شيئا من ضرورة صحة الطهارة وهو لفضيلة الحاصلة لمن فعل ذلك وهو على طهارة فصحت طهارته كما لو نوى بها ما لا يباح الا بها ولأنه نوى طهارة شرعية فصحت للخبر، فإن قيل يبطل هذا بما لو نوى بطهارته مالا تشرع له الطهارة. قلنا إن نوى طهارة شرعية مثل ان قصد أن يأكل وهو متطهر طهارة شرعية أو قصد أن لا يزال على وضوء فهو كمسئلتنا وتصح طهارته. وان قصد بذلك نظافة أعضائه من وسخ أو طين أو غيره لم تصح طهارته لأنه لم يقصدها. وان نوى وضوءا مطلقا أو طهارة ففيه وجهان أصحهما صحته لأن الوضوء والطهارة إنما ينصرف اطلاقهما إلى المشروع فيكون ناويا لوضوء شرعي. والوجه الثاني لا تصح طهارته في هذه المواضع كلها لأنه قصد ما يباح بدون الطهارة أشبه قاصد الاكل - والطهارة تنقسم إلى ما هو مشروع والى غيره فلم تصح مع التردد، وان نوى بطهارته رفع الحدث وتبريد أعضائه صحت طهارته لأن التبريد يحصل بدون النية فلم يؤثر هذا الاشتراك كما لو قصد بالصلاة الطاعة والخلاص من خصمه، وان قصد الجنب بالغسل اللبث في المسجد ارتفع حدثه لأنه شرط لذلك.
(فصل) ويجب تقديم النية على الطهارة كلها لأنها شرط لها فيعتبر وجودها في جميعها فإن وجد شئ من واجبات الطهارة قبل النية لم يعتد به، ويستحب أن ينوي قبل غسل كفيه لتشمل النية مسنون الطهارة ومفروضها فإن غسل كفيه قبل النية كان كمن لم يغسلهما، ويجوز تقديم النية على الطهارة بالزمن اليسير كقولنا في الصلاة وان طال الفصل لم يجزه ذلك، ويستحب استصحاب ذكر النية إلى آخر طهارته