وقالوا إن ثم سوء فقال الله لا يحب الله الجهر بالسوء من القول الذي سميتموه سوء لكونه لا يوافق أغراضكم كما قد سمعت أن حسنات الأبرار سيئات المقربين وليس ثم الأحسن بالنسبة سيئ بالنسبة على الحقيقة فكل شئ من الله حسن ساء ذلك الشئ أم سر فالأمر إضافي فقوله أولئك الذين هداهم الله إلى معرفة الحسن والأحسن وأولئك هم أولوا الألباب يعني بالألباب المستخرجين لب الأمر المستور بالقشر صيانة له فإن العين لا تقع إلا على الحجاب والمحجوب لأولي الألباب تنبيه على الصورة الحجابية التي يتجلى فيها الحق ثم يتحول عنها إلى حجاب فما ثم في الحقيقة إلا انتقال من حجاب إلى حجاب لأنه ما يتكرر تجل إلهي قط فلا بد من اختلاف الصور والحق وراء ذلك كله فما لنا منه إلا الاسم الظاهر رؤية وحجابا وأما الاسم الباطن فلا يزال باطنا وهو اللب المعقول الذي يدركه أولو الألباب يعني يعلمون أن ثم لبا وهو هذا الذي ظهر حجاب عليه وليس إلا الاسم الظاهر وهو المسمى في الحالين فمن قال بالرؤية صدق ومن قال بنفي الرؤية صدق فإن رسول الله ص أثبت لنا الرؤية بقوله ص ترون ربكم الحديث ونفى الرؤية فإنه ص سئل هل رأيت ربك يعني ليلة الإسراء فقال يتعجب من السائل نور أني أراه أي أنه نور فلا أدرك النور لضعف الحدوث والنور لله وصف ذاتي والحدوث لنا كذلك نسبة ذاتية فنحن لا نزال على ما نحن عليه وهو لا يزال على ما هو عليه والراسخون في العلم الذين هداهم الله أي تولى تعليمهم بنفسه وأولئك هم أولو الألباب فكان من العلم الذي علمهم إن ثم لنا مستورا بقشر فصدق النافي والمثبت فمن قال إن الله ظاهر فما قال على الله إلا ما قال الله عن نفسه ولا فائدة لكون الأمر ظاهرا إلا مشاهدته فهو مشهود مرئي من هذا الوجه ومن قال إن الله باطن فما قال على الله إلا ما قال الله عن نفسه ولا فائدة لكون الأمر باطنا إلا أنه لا تدركه الأبصار فهو لا يشهد ولا يرى من هذا الوجه فلما اتبع هذا الذكر أحسن القول أدرك أن ثم لبا مستورا حين قال الآخر إنه ليس ثم إلا هذا الذي وقع عليه البصر فهو كمن لا يرى أن خلف هذه الصورة الظاهرة الإنسانية أمرا آخر يدبرها ويصرفها ومن أبصر عنده صورة زيد فقد أبصره بلا شك والذي اعترف باللب علم إن خلف هذه الصورة أمرا آخر هذا الأثر الظاهر من هذه الصورة لذلك الباطن المستور في هذا الحجاب دليله الموت مع بقاء الصورة وإزالة الحكم فمن قال إن زيدا عين ذلك المدبر لا عين الصورة وإن الصورة عنده لا فرق بينها وبين ما أجمعنا عليه من صورة مثله من خشب أو جص قال إنه ما رآه ومن قال إن زيدا هو المجموع فهو الظاهر والباطن قال رآه ما رآه كما قال في المعنى وما رميت إذ رميت فأحسن القول إثبات الأمرين على الوجهين فما ثم مشهود وما ثم شاهد * سوى واحد والفرق يعقل بالجمع فمن قال شاهدناه يصدق قوله * ومن قال لم نشهد فللضعف والصدع إذا اتصفت عين بصدع ولم تزل * بها صفة الصدع المزيلة للنفع على السمع عولنا فكنا أولي النهى * ولا علم فيما لا يكون عن السمع إذا كان معصوما وقال فقوله * هو الحق لا يأتيه مين على القطع فعقل وشرع صاحبان تألفا * فبورك من عقل وبورك من شرع واعلم أن الاتباع إنما هو فيما حده لك في قوله ورسمه فتمشي حيث مشى بك وتقف حيث وقف بك وتنظر فيما قال لك انظر وتسلم فيما قال لك سلم وتعقل فيما قال لك أعقل وتؤمن فيما قال لك آمن فإن الآيات الإلهية الواردة في الذكر الحكيم وردت متنوعة وتنوع لتنوعها وصف المخاطب بها فمنها آيات لقوم يتفكرون وآيات لقوم يعقلون وآيات لقوم يسمعون وآيات للمؤمنين وآيات للعالمين وآيات للمتقين وآيات لأولي النهى وآيات لأولي الألباب وآيات لأولي الأبصار ففصل كما فصل ولا نتعد إلى غير ما ذكر بل نزل كل آية وغيرها بموضعها وانظر فيمن خاطب بها وكن أنت المخاطب بها فإنك مجموع ما ذكر فإنك المنعوت بالبصر والنهي واللب والعقل والتفكر والعلم والايمان والسمع والقلب فأظهر بنظرك بالصفة التي نعتك بها في تلك الآية الخاصة تكن ممن جمع له القرآن فاجتمع عليه فاستظهره
(١٠٥)