وإنما كان أهل الحب مطهرين لتنزههم عن الأهواء النفسانية والألواث المادية، فلا يتم الإخلاص في العبادة إلا من طريق الحب.
3 - كيف يورث الحب الإخلاص؟
عبادته تعالى خوفا من العذاب تبعث الإنسان إلى التروك وهو الزهد في الدنيا للنجاة في الآخرة، فالزاهد من شأنه أن يتجنب المحرمات أو ما في معنى الحرام أعني ترك الواجبات، وعبادته تعالى طمعا في الثواب تبعث إلى الأفعال وهو العبادة في الدنيا بالعمل الصالح لنيل نعم الآخرة والجنة، فالعابد من شأنه أن يلتزم الواجبات أو ما في معنى الواجب وهو ترك الحرام، والطريقان معا إنما يدعوان إلى الإخلاص للدين لا لرب الدين.
وأما محبة الله سبحانه فإنها تطهر القلب من التعلق بغيره تعالى من زخارف الدنيا وزينتها من ولد أو زوج أو مال أو جاه حتى النفس وما لها من حظوظ وآمال، وتقصر القلب في التعلق به تعالى وبما ينسب إليه من دين أو نبي أو ولي وسائر ما يرجع إليه تعالى بوجه، فإن حب الشئ حب لآثاره.
فهذا الإنسان يحب من الأعمال ما يحبه الله، ويبغض منها ما يبغضه الله، ويرضى برضا الله ولرضاه، ويغضب بغضب الله ولغضبه، وهو النور الذي يضئ له طريق العمل، قال تعالى: * (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس) * (1). والروح الذي يشير إليه بالخيرات والأعمال الصالحات، قال تعالى: * (وأيدهم بروح منه) * (2) وهذا هو السر في أنه لا يقع منه إلا الجميل والخير ويتجنب كل مكروه وشر.
وأما الموجودات الكونية والحوادث الواقعة فإنه لا يقع بصره على شئ منها خطير أو حقير، كثير أو يسير إلا أحبه واستحسنه، لأنه لا يرى منها إلا أنها آيات محضة تجلي له ما وراءها من الجمال المطلق والحسن الذي لا يتناهى العاري من كل شين ومكروه.
ولذلك كان هذا الإنسان محبورا بنعمة ربه بسرور لا غم معه ولذة وابتهاج لا ألم ولا حزن معه، وأمن لا خوف معه، فإن هذه العوارض السوء إنما تطرأ عن إدراك للسوء وترقب للشر والمكروه، ومن كان لا يرى إلا الخير والجميل ولا يجد إلا ما يجري على وفق إرادته ورضاه فلا سبيل للغم والحزن والخوف وكل ما يسوء الإنسان ويؤذيه إليه بل ينال من السرور والابتهاج والأمن ما لا يقدره ولا يحيط به إلا الله سبحانه، وهذا أمر ليس في وسع النفوس العادية أن تتعقله وتكتنهه إلا بنوع من التصور الناقص.
وإليه يشير أمثال قوله تعالى: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون * الذين آمنوا وكانوا يتقون) * (3)، وقوله: * (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) * (4).
وهؤلاء هم المقربون الفائزون بقربه تعالى، إذ