وبالجملة: المراد بزيادة الإيمان كثرته عددا.
وهو بين الضعف، أما الحجة ففيها أولا: أن قولهم: الإيمان اسم للتصديق الجازم ممنوع، بل هو اسم للتصديق الجازم الذي معه الالتزام كما تقدم بيانه. اللهم إلا أن يكون مرادهم بالتصديق العلم مع الالتزام.
وثانيا: أن قولهم: إن هذا التصديق لا يختلف بالزيادة والنقصان دعوى بلا دليل، بل مصادرة على المطلوب، وبناؤه على كون الإيمان عرضا وبقاء الأعراض على نحو تجدد الأمثال لا ينفعهم شيئا، فإن من الإيمان ما لا تحركه العواصف، ومنه ما يزول بأدنى سبب يعترض وأوهن شبهة تطرأ، وهذا مما لا يعلل بتجدد الأمثال وقلة الفترات وكثرتها، بل لابد من استناده إلى قوة الإيمان وضعفه سواء قلنا بتجدد الأمثال أم لا.
مضافا إلى بطلان تجدد الأمثال على ما بين في محله.
وقولهم: إن المصدق إذا ضم إليه الطاعات أو ضم إليه المعاصي لم يتغير حاله أصلا ممنوع، فقوة الإيمان بمزاولة الطاعات وضعفها بارتكاب المعاصي مما لا ينبغي الارتياب فيه، وقوة الأثر وضعفه كاشفة عن قوة مبدأ الأثر وضعفه، قال تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * (1)، وقال: * (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزؤون) * (2).
وأما ما ذكروه من التأويل فأول التأويلين يوجب كون من لم يستكمل الإيمان - وهو الذي في قلبه فترات خالية من أجزاء الإيمان على ما ذكروه - مؤمنا وكافرا حقيقة، وهذا مما لا يساعده ولا يشعر به شئ من كلامه تعالى.
وأما قوله تعالى: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) * (3) فهو إلى الدلالة على كون الإيمان مما يزيد وينقص أقرب منه إلى الدلالة على نفيه، فإن مدلوله أنهم مؤمنون في حال أنهم مشركون، فإيمانهم إيمان بالنسبة إلى الشرك المحض، وشرك بالنسبة إلى الإيمان المحض، وهذا معنى قبول الإيمان للزيادة والنقصان.
وثاني التأويلين يفيد أن الزيادة في الإيمان وكثرته إنما هي بكثرة ما تعلق به، وهو الأحكام والشرائع المنزلة من عند الله، فهي صفة للإيمان بحال متعلقه، والسبب في اتصافه بها هو متعلقه، ولو كان هذه الزيادة هي المرادة من قوله:
* (ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم) * كان الأنسب أن تجعل زيادة الإيمان في الآية غاية لتشريع الأحكام الكثيرة وإنزالها، لا لإنزال السكينة في قلوب المؤمنين، هذا (4).
اللهم صل على محمد وآل محمد، وبلغ بإيماني أكمل الإيمان، واجعل يقيني أفضل اليقين. وتقبل مني يا مبدل السيئات بالحسنات يا أرحم الراحمين.
تم الكتاب بحمد الله وتوفيقه، واتفق الفراغ من تأليفه في ليلة القدر المباركة الثالثة والعشرين من ليالي شهر رمضان سنة خمسة وأربعمائة بعد الألف من الهجرة، والحمد لله أولا وآخرا، والصلاة على سيدنا محمد وآله، والسلام.