التي عصيتم الله فيها مخافة أن ينزل بكم البلاء فيعمنا معكم، قال: فخرجوا عنهم من المدينة مخافة أن يصيبهم البلاء، فنزلوا قريبا من المدينة فباتوا تحت السماء، فلما أصبح أولياء الله المطيعون لأمر الله غدوا لينظروا ما حال أهل المعصية فأتوا باب المدينة فإذا هو مصمت، فدقوه فلم يجابوا ولم يسمعوا منها خبر واحد، فوضعوا سلما على سور المدينة ثم أصعدوا رجلا منهم، فأشرف على المدينة فنظر فإذا هو بالقوم قردة يتعاوون، فقال الرجل لأصحابه: يا قوم أرى والله عجبا! قالوا: وما ترى؟ قال: أرى القوم قد صاروا قردة يتعاوون ولها أذناب، فكسروا الباب، قال: فعرفت القردة أنسابها من الإنس، ولم تعرف الإنس أنسابها من القردة، فقال القوم للقردة: ألم ننهكم؟
فقال علي (عليه السلام): والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إني لأعرف أنسابها من هذه الأمة لا ينكرون ولا يغيرون بل تركوا ما أمروا به فتفرقوا، وقد قال الله عز وجل: * (فبعدا للقوم الظالمين) * فقال الله: * (أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون) * (1).
أقول: قال العلامة الطباطبائي بعد تفسير آيات 63 - 74 من سورة البقرة تحت عنوان:
بحث فلسفي:
السورة كما ترى مشتملة على عدة من الآيات المعجزة في قصص بني إسرائيل وغيرهم، كفرق البحر وإغراق آل فرعون في قوله تعالى: * (وإذ فرقنا بكم البحر وأغرقنا آل فرعون...) * الآية، وأخذ الصاعقة بني إسرائيل وإحيائهم بعد الموت في قوله تعالى: * (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك...) * الآية، وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى عليهم في قوله تعالى: * (وظللنا عليكم الغمام...) * الآية، وانفجار العيون من الحجر في قوله تعالى: * (وإذ استسقى موسى لقومه...) * الآية، ورفع الطور فوقهم في قوله تعالى: * (ورفعنا فوقكم الطور...) * الآية، ومسخ قوم منهم في قوله تعالى: * (فقلنا لهم كونوا قردة...) * الآية، وإحياء القتيل ببعض البقرة المذبوحة في قوله: * (فقلنا اضربوه ببعضها...) * الآية، وكإحياء قوم آخرين في قوله: * (ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم...) * الآية، وكإحياء الذي مر على قرية خربة في قوله: * (أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها...) * الآية، وكإحياء الطير بيد إبراهيم في قوله تعالى: * (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى...) * الآية، فهذه اثنتا عشرة آية معجزة خارقة للعادة جرت أكثرها في بني إسرائيل ذكرها القرآن، وقد بينا فيما مر إمكان وقوع المعجزة وأن خوارق العادات جائزة الوقوع في الوجود، وهي مع ذلك ليست ناقضة لقانون العلية والمعلولية الكلي، وتبين به أن لا دليل على تأويل الآيات الظاهرة في وقوع الإعجاز وصرفها عن ظواهرها ما دامت الحادثة ممكنة، بخلاف المحالات كانقسام الثلاثة بمتساويين وتولد مولود يكون أبا لنفسه،