[3853] مناجاة الإمام علي (عليه السلام) - عروة بن الزبير: كنا جلوسا في مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) فتذاكرنا أحوال أهل بدر وبيعة الرضوان، فقال أبو الدرداء: يا قوم ألا أخبركم بأقل القوم مالا، وأكثرهم ورعا، وأشدهم اجتهادا في العبادة؟ قالوا: من هو؟ قال: علي بن أبي طالب (عليه السلام).
قال: فوالله إن كان في جماعة ذلك المجلس إلا معرض عنه بوجهه، ثم انتدب له رجل من الأنصار يقال له: عويمر فقال: لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها.
فقال أبو الدرداء: يا قوم إني قائل ما رأيت وليقل كل واحد منكم ما رأى، رأيت وشاهدت علي بن أبي طالب بسويحات بني النجار وقد اعتزل عن مواليه واختفى ممن يليه وقد استتر ببعيلات النخل فافتقدته وبعد علي مكانه فقلت: لحق بمنزله، فإذا بصوت حزين ونغمة شجي وهو يقول: إلهي كم من موبقة حلمت عن مقابلتها بنعمتك، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك، إلهي إن طال في عصيانك عمري وعظم في الصحف ذنبي فما أنا مؤمل غير غفرانك، ولا أنا راج غير رضوانك، فشغلني الصوت واقتفيت الأثر فإذا هو علي بن أبي طالب بعينه، فاستترت لأسمع كلامه وأخملت الحركة فركع ركعات في جوف الليل الغابر، ثم فرغ إلى الدعاء والتضرع والبكاء والبث والشكوى، فكان مما ناجى به الله عز وجل أن قال: اللهم إني أفكر في عفوك فتهون علي خطيئتي، ثم أذكر العظيم من أخذك فتعظم علي بليتي، ثم قال: آه إن قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها فتقول: خذوه، فياله من مأخوذ لا تنجيه عشيرته، ولا تنفعه قبيلته، ترحمه الملأ إذا أذن فيه بالنداء.
ثم قال: آه من نار تنضج الأكباد والكلى، آه من نار نزاعة للشوى، آه من غمرة في ملهبات لظى، ثم أمعن في البكاء فلم أسمع له حسا ولا حركة، فقلت: غلب عليه النوم لطول السهر أوقظه لصلاة الفجر، قال أبو الدرداء: فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحركته فلم يتحرك وزويته فلم ينزو، فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون مات والله علي بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادرا أنعاه إليهم، فقالت فاطمة: يا أبا الدرداء ما كان من شأنه وقصته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله تعالى، ثم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ونظر إلي وأنا أبكي فقال: ما بكاؤك يا أبا الدرداء؟
فقلت: مما أراه تنزله بنفسك، فقال: يا أبا الدرداء!
فكيف لو رأيتني وقد دعي بي إلى الحساب، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب، واحتوشتني ملائكة غلاظ شداد وزبانية فظاظ، وأوقفت بين يدي الجبار، وقد أسلمني الأحباء ورحمني أهل الدنيا لكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا يخفى عليه خافية، قال أبو الدرداء: فوالله ما رأيت ذلك لأحد