والجن جسم لطيف يتشكل بأشكال مختلفة حتى الكلب والخنزير، فمما لا دليل عليه من عقل ولا نقل من كتاب أو سنة معتبرة، وأما ما ادعاه بعضهم من إجماع المسلمين على ذلك - فمضافا إلى منعه - لا دليل على حجيته في أمثال هذه المسائل الاعتقادية (1).
كلام في أن الملائكة وسائط في التدبير:
الملائكة وسائط بينه تعالى وبين الأشياء بدءا وعودا على ما يعطيه القرآن الكريم، بمعني أنهم أسباب للحوادث فوق الأسباب المادية في العالم المشهود قبل حلول الموت والانتقال إلى نشأة الآخرة وبعده.
أما في العود - أعني حال ظهور آيات الموت وقبض الروح وإجراء السؤال وثواب القبر وعذابه وإماتة الكل بنفخ الصور وإحيائهم بذلك والحشر وإعطاء الكتاب ووضع الموازين والحساب والسوق إلى الجنة والنار - فوساطتهم فيها غني عن البيان، والآيات الدالة على ذلك كثيرة لا حاجة إلى إيرادها، والأخبار المأثورة فيها عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) فوق حد الإحصاء.
وكذا وساطتهم في مرحلة التشريع من النزول بالوحي ودفع الشياطين عن المداخلة فيه وتسديد النبي وتأييد المؤمنين وتطهيرهم بالاستغفار.
وأما وساطتهم في تدبير الأمور في هذه النشأة فيدل عليها ما في مفتتح هذه السورة من إطلاق قوله: * (والنازعات غرقا * والناشطات نشطا * والسابحات سبحا * فالسابقات سبقا * فالمدبرات أمرا) * بما تقدم من البيان.
وكذا قوله تعالى: * (جاعل الملائكة رسلا اولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع) * (2) الظاهر بإطلاقه - على ما تقدم من تفسيره - في أنهم خلقوا وشأنهم أن يتوسطوا بينه تعالى وبين خلقه ويرسلوا لإنفاذ أمره الذي يستفاد من قوله تعالى في صفتهم: * (بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) * (3)، وقوله: * (يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون) * (4) وفي جعل الجناح لهم إشارة ذلك.
فلا شغل للملائكة إلا التوسط بينه تعالى وبين خلقه بإنفاذ أمره فيهم، وليس ذلك على سبيل الاتفاق بأن يجري الله سبحانه أمرا بأيديهم ثم يجري مثله لا بتوسيطهم فلا اختلاف ولا تخلف في سنته تعالى: * (إن ربي على صراط مستقيم) * (5)، وقال: * (فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا) * (6).
ومن الوساطة كون بعضهم فوق بعض مقاما وأمر العالي منهم السافل بشئ من التدبير، فإنه في الحقيقة توسط من المتبوع بينه تعالى وبين تابعه في إيصال أمر الله تعالى، كتوسط ملك الموت في أمر بعض أعوانه بقبض روح من