ثم إنهم اجتمعوا في المسجد وتشاوروا وتناصفوا، فزعم بعض أهل الرواية: أن أبا أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وكان عامئذ أسن قريش كلها، قال: يا معشر قريش، اجعلوا بينكم فيما تختلفون فيه أول من يدخل من باب هذا المسجد يقضي بينكم فيه، ففعلوا. فكان أول داخل عليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، رضينا، هذا محمد.
فلما انتهى إليهم وأخبروه الخبر، قال (صلى الله عليه وآله):
هلم إلي ثوبا، فاتي به، فأخذ الركن فوضعه فيه بيده، ثم قال: لتأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب، ثم ارفعوه جميعا، ففعلوا، حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده، ثم بنى عليه (1).
-... فلما انتهوا إلى حيث يوضع الركن من البيت قالت كل قبيلة: نحن أحق بوضعه، واختلفوا حتى خافوا القتال، ثم جعلوا بينهم أول من يدخل من باب بني شيبة فيكون هو الذي يضعه، وقالوا: رضينا وسلمنا، فكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) أول من دخل من باب بني شيبة، فلما رأوه قالوا: هذا الأمين، قد رضينا بما قضى بيننا (2).
- أيضا في صفة النبي (صلى الله عليه وآله): كان رجلا أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم مخالطة، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما وأمانة، وأصدقهم حديثا، وأبعدهم من الفحش والأذى، ومارئي ملاحيا ولا مماريا أحدا، حتى سماه قومه الأمين، لما جمع الله له من الأمور الصالحة فيه، فلقد كان الغالب عليه بمكة الأمين (3).
- ابن إسحاق: وكانت خديجة بنت خويلد امرأة تاجرة ذات شرف ومال، تستأجر الرجال في مالها وتضاربهم إياه بشئ تجعله لهم، وكانت قريش قوما تجارا، فلما بلغها عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما بلغها من صدق حديثه، وعظم أمانته، وكرم أخلاقه، بعثت إليه فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا (4).
[3833] 6 - صادق - ابن عباس: لما أنزلت: * (وأنذر عشيرتك الأقربين) * صعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على الصفا فقال:
يا معشر قريش! فقالت قريش: محمد على الصفا يهتف، فأقبلوا واجتمعوا فقالوا: مالك يا محمد؟
قال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بسفح هذا الجبل أكنتم تصدقونني؟ قالوا: نعم أنت عندنا غير متهم وما جربنا عليك كذبا قط، قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد، يا بني عبد المطلب يا بني عبد مناف يا بني زهرة - حتى عدد الأفخاذ من قريش - إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين، وإني لا أملك لكم من الدنيا منفعة ولا من الآخرة نصيبا إلا أن تقولوا: لا إله إلا الله، قال: يقول أبو لهب: تبا لك سائر اليوم! ألهذا جمعتنا! فأنزل الله تبارك وتعالى: * (تبت يدا أبي لهب وتب...) * السورة كلها (5).