كان عنده يسدده بتبليغ الوحي.
وثالثا: أنه كان ممن جمع الله له خير الدنيا والآخرة، أما خير الدنيا فالملك العظيم الذي بلغ به مغرب الشمس ومطلعها فلم يقم له شئ وقد ذلت له الأسباب، وأما خير الآخرة فبسط العدل وإقامة الحق والصفح والعفو والرفق وكرامة النفس وبث الخير ودفع الشر، وهذا كله مما يدل عليه قوله تعالى: * (إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شئ سببا) * مضافا إلى ما يستفاد من سياق القصة من سيطرته الجسمانية والروحانية.
ورابعا: أنه صادف قوما ظالمين بالمغرب فعذبهم.
وخامسا: أن الردم الذي بناه هو في غير مغرب الشمس ومطلعها، فإنه بعدما بلغ مطلع الشمس أتبع سببا حتى إذا بلغ بين السدين. ومن مشخصات ردمه - مضافا إلى كونه واقعا في غير المغرب والمشرق - أنه واقع بين جبلين كالحائطين، وأنه ساوى بين صدفيهما، وأنه استعمل في بنائه زبر الحديد والقطر، ولا محالة هو في مضيق هو الرابط بين ناحيتين من نواحي الأرض المسكونة.
2 - ذكرى ذي القرنين والسد ويأجوج ومأجوج:
في أخبار الماضين لم يذكر القدماء من المؤرخين في أخبارهم ملكا يسمى في عهده بذي القرنين أو ما يؤدي معناه من غير اللفظ العربي، ولا يأجوج ومأجوج بهذين اللفظين، ولا سدا ينسب إليه باسمه، نعم ينسب إلى بعض ملوك حمير من اليمنيين أشعار في المباهاة يذكر فيها ذا القرنين وأنه من أسلافه التبابعة، وفيها ذكر سيره إلى المغرب والمشرق وسد يأجوج ومأجوج، وسيوافيك نبذة منها في بعض الفصول الآتية.
وورد ذكر " مأجوج " و " جوج ومأجوج " في مواضع من كتب العهد العتيق، ففي الإصحاح (1) العاشر من سفر التكوين من التوراة: وهذه مواليد بني نوح: سام وحام ويافث، وولد لهم بنون بعد الطوفان بنو يافث جومر ومأجوج ومادي وباوان ونوبال وماشك ونبراس.
وفي كتاب حزقيال (2) الإصحاح الثامن والثلاثون: وكان إلى كلام الرب قائلا:
يا بن آدم اجعل وجهك على جوج أرض مأجوج رئيس روش ما شك ونوبال، وتنبأ عليه وقل:
هكذا قال السيد الرب: ها أنا ذا عليك يأجوج رئيس روش وماشك ونوبال وارجعك وأضع شكائم في فكيك وأخرجك أنت وكل جيشك خيلا وفرسانا كلهم لابسين أفخر لباس جماعة عظيمة مع أتراس ومجان كلهم ممسكين السيوف، فارس وكوش وفوط معهم كلهم بمجن وخوذة، وجومر وكل جيوشه، وبيت نوجرمه من أقاصي الشمال مع كل جيشه شعوبا كثيرين معك.
قال: لذلك تنبأ يا بن آدم وقل لجوج: هكذا قال السيد الرب في ذلك اليوم عند سكنى شعب إسرائيل آمنين، أفلا تعلم وتأتي من موضعك