ثم ظهر فيه بحسب الفطرة الاختلاف في اقتناء المزايا الحيوية، فاستدعى ذلك وضع قوانين ترفع الاختلافات الطارئة والمشاجرات في لوازم الحياة، فألبست القوانين الموضوعة لباس الدين، وشفعت بالتبشير والإنذار: بالثواب والعقاب، وأصلحت بالعبادات المندوبة إليها ببعث النبيين، وإرسال المرسلين، ثم اختلفوا في معارف الدين أو أمور المبدأ والمعاد، فاختل بذلك أمر الوحدة الدينية، وظهرت الشعوب والأحزاب وتبع ذلك الاختلاف في غيره، ولم يكن هذا الاختلاف الثاني إلا بغيا من الذين أوتوا الكتاب وظلما وعتوا منهم بعد ما تبين لهم أصوله ومعارفه، وتمت عليهم الحجة، فالاختلاف اختلافان: اختلاف في أمر الدين مستند إلى بغي الباغين دون فطرتهم وغريزتهم، واختلاف في أمر الدنيا وهو فطري وسبب لتشريع الدين، ثم هدى الله سبحانه المؤمنين إلى الحق المختلف فيه بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
فالدين الإلهي هو السبب الوحيد لسعادة هذا النوع الإنساني، والمصلح لأمر حياته، يصلح الفطرة بالفطرة، ويعدل قواها المختلفة عند طغيانها، وينظم للإنسان سلك حياته الدنيوية والأخروية، والمادية والمعنوية، فهذا إجمال تاريخ حياة هذا النوع - الحياة الاجتماعية والدينية - على ما تعطيه هذه الآية الشريفة. وقد اكتفت في تفصيل ذلك بما تفيده متفرقات الآيات القرآنية النازلة في شؤون مختلفة (1).
9 - الهداية إلى سبل السلام الكتاب * (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) * (2).
- الإمام علي (عليه السلام): إن الله تعالى خصكم بالإسلام، واستخلصكم له، وذلك لأنه اسم سلامة وجماع كرامة (3).
- عنه (عليه السلام) - في وصف السالك الطريق إلى الله سبحانه -: وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة ودار الإقامة (4).
- عنه (عليه السلام): إن تقوى الله دواء داء قلوبكم، وبصر عمى أفئدتكم، وشفاء مرض أجسادكم (5).
التفسير:
النبوة / (1) النبوة العامة 3013 قوله تعالى: * (يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام) * الباء في قوله: " به " للآلة، والضمير عائد إلى الكتاب أو إلى النور سواء أريد به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أو القرآن فمآل الجميع واحد، فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أحد الأسباب الظاهرية في مرحلة الهداية، وكذا القرآن وحقيقة الهداية قائمة به، قال تعالى: * (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) * (6)، وقال: * (وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب