ماذا كنتم من الدين، وكلمة " م " هي ما الاستفهامية حذفت عنها الألف تخفيفا.
وفي الآية دلالة في الجملة على ما تسميه الأخبار بسؤال القبر، وهو سؤال الملائكة عن دين الميت بعد حلول الموت، كما يدل عليه أيضا قوله تعالى: * (الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون * فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين * وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا...) * (1) الآيات.
قوله تعالى: * (قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها) * كان سؤال الملائكة * (فيم كنتم) * سؤالا عن الحال الذي كانوا يعيشون فيه من الدين، ولم يكن هؤلاء المسؤولون على حال يعتد به من جهة الدين، فأجابوا بوضع السبب موضع المسبب وهو أنهم كانوا يعيشون في أرض لا يتمكنون فيها من التلبس بالدين، لكون أهل الأرض مشركين أقوياء فاستضعفوهم، فحالوا بينهم وبين الأخذ بشرائع الدين والعمل بها (2).
قوله تعالى: * (يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة فإياي فاعبدون) * توجيه للخطاب إلى المؤمنين الذين وقعوا في أرض الكفر لا يقدرون على التظاهر بالدين الحق والاستنان بسنته، ويدل على ذلك ذيل الآية.
وقوله: * (إن أرضي واسعة) * الذي يظهر من السياق أن المراد بالأرض هذه الأرض التي نعيش عليها، وإضافتها إلى ضمير التكلم للإشارة إلى أن جميع الأرض لا فرق عنده في أن يعبد في أي قطعة منها كانت، ووسعة الأرض كناية عن أنه إن امتنع في ناحية من نواحيها أخذ الدين الحق والعمل به فهناك نواح غيرها لا يمتنع فيها ذلك، فعبادته تعالى وحده ليست بممتنعة على أي حال.
وقوله: * (فإياي فاعبدون) * الفاء الأولى للتفريع على سعة الأرض، أي إذا كان كذلك فاعبدوني وحدي، والفاء الثانية فاء الجزاء للشرط المحذوف المدلول عليه بالكلام، والظاهر أن تقديم " إياي " لإفادة الحصر فيكون قصر قلب، والمعنى لا تعبدوا غيري بل اعبدوني، وقوله: " فاعبدون " قائم مقام الجزاء.
ومحصل المعنى: أن أرضي واسعة إن امتنع عليكم عبادتي في ناحية منها، تسعكم لعبادتي أخرى منها فإذا كان كذلك فاعبدوني وحدي ولا تعبدوا غيري، فإن لم يمكنكم عبادتي في قطعة منها فهاجروا إلى غيرها واعبدوني وحدي فيها (3).
[3993] النهي عن التعرب بعد الهجرة - رسول الله (صلى الله عليه وآله) - في وصيته لعلي (عليه السلام) -:
لا تعرب بعد الهجرة (4).