فقد اختص الإسلام بكمال هذه الأمور الخمسة وإن كانت توجد في غير نماذج من ذلك.
على أن كمال هذه الأمور الخمسة في هذه الملة البيضاء أصدق شاهد وأبين بينة على صدق الناهض بدعوتها (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولو لم تكن تذكر أمارات له في الكتابين فإن شريعته كمال شريعة الكليم والمسيح (عليه السلام) وهل يطلب من شريعة حقة إلا عرفانها المعروف وإنكارها المنكر، وتحليلها الطيبات، وتحريمها الخبائث، وإلغاؤها كل إصر وغل؟ وهي تفاصيل الحق الذي يدعو إليه الشرائع الإلهية، فليعترف أهل التوراة والإنجيل أن الشريعة التي تتضمن كمال هذه الأمور بتفاصيلها هي عين شريعتهم في مرحلة كاملة.
وبهذا البيان يظهر أن قوله تعالى: * (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر) * الآية، يفيد بمجموعه معنى تصديقه لما في كتابيهم من شرائع الله تعالى كأنه قيل: مصدقا لما بين يديه كما في قوله تعالى: * (ولما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون) * (1) وقوله: * (ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين) * (2) يريد مجئ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بكمال ما في كتابهم من الشريعة مصدقا له ثم كفرهم به وهم يعلمون أنه المذكور في كتبهم المبشر به بلسان أنبيائهم كما حكى سبحانه عن المسيح في قوله:
* (يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) * (3) (4).
8 - رفع الاختلاف الكتاب * (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم) * (5).
- الإمام علي (عليه السلام): انظروا إلى مواقع نعم الله عليهم حين بعث إليهم رسولا فعقد بملته طاعتهم، وجمع على دعوته ألفتهم: كيف نشرت النعمة عليهم جناح كرامتها، وأسالت لهم جداول نعيمها، والتفت الملة بهم في عوائد بركتها، فأصبحوا في نعمتها غرقين! (6).
التفسير:
قال العلامة الطباطبائي في تفسير قوله تعالى:
* (كان الناس أمة واحدة...) *: الآية تبين السبب في تشريع أصل الدين وتكليف النوع الإنساني به، وسبب وقوع الاختلاف فيه ببيان:
أن الإنسان - وهو نوع مفطور على الاجتماع والتعاون - كان في أول اجتماعه أمة واحدة،