لا تشابه تربيتها نوع التربية التي يقصدها حكيم أخلاقي في فنه، ولا نوع التربية التي سنها الأنبياء في شرائعهم، فإن المسلك الأول كما عرفت مبني على العقائد العامة الاجتماعية في الحسن والقبح، والمسلك الثاني مبني على العقائد العامة الدينية في التكاليف العبودية ومجازاتها، وهذا المسلك الثالث مبني على التوحيد الخالص الكامل الذي يختص به الإسلام على مشرعه وآله أفضل الصلاة، هذا.
فإن تعجب فعجب قول بعض المستشرقين من علماء الغرب في تاريخه الذي يبحث فيه عن تمدن الإسلام، وحاصله: أن الذي يجب للباحث أن يعتني به هو البحث عن شؤون المدينة التي بسطتها الدعوة الدينية الإسلامية بين الناس من متبعيها، والمزايا والخصائص التي خلفها وورثها فيهم من تقدم الحضارة وتعالي المدنية، وأما المعارف الدينية التي يشتمل عليها الإسلام فهي مواد أخلاقية يشترك فيها جميع النبوات، ويدعو إليها جميع الأنبياء، هذا.
وأنت بالإحاطة بما قدمناه من البيان تعرف سقوط نظره وخبط رأيه، فإن النتيجة فرع لمقدمتها، والآثار الخارجية المترتبة على التربية إنما هي مواليد ونتائج لنوع العلوم والمعارف التي تلقاها المتعلم المتربي، وليسا سواء قول يدعو إلى حق نازل وكمال متوسط وقول يدعو إلى محض الحق وأقصى الكمال، وهذا حال هذا المسلك الثالث، فأول المسالك يدعو إلى الحق الاجتماعي، وثانيها يدعو إلى الحق الواقعي والكمال الحقيقي الذي فيه سعادة الإنسان في حياته الآخرة، وثالثها يدعو إلى الحق الذي هو الله، ويبني تربيته على أن الله سبحانه واحد لا شريك له، وينتج العبودية المحضة، وكم بين المسالك من فرق!.
وقد أهدى هذا المسلك إلى الاجتماع الإنساني جما غفيرا من العباد الصالحين، والعلماء الربانيين، والأولياء المقربين رجالا ونساء، وكفى بذلك شرفا للدين.
على أن هذا المسلك ربما يفترق عن المسلكين الآخرين بحسب النتائج، فإن بناءه على الحب العبودي، وإيثار جانب الرب على جانب العبد، ومن المعلوم أن الحب والوله والتيم ربما يدل الإنسان المحب على أمور لا يستصوبه العقل الاجتماعي الذي هو ملاك الأخلاق الاجتماعية، أو الفهم العام العادي الذي هو أساس التكاليف العامة الدينية، فللعقل أحكام، وللحب أحكام، وسيجئ توضيح هذا المعنى في بعض الأبحاث الآتية إن شاء الله تعالى (1).
[3920] أنفع التحقيق - الإمام علي (عليه السلام): استدراك فساد النفس من أنفع التحقيق (2).
- عنه (عليه السلام): من استدرك فوارطه أصلح (3).