القاصد بمطلوبه، فكل شئ جهز بما يربطه بشئ ويحركه نحوه فقد هدي إلى ذلك الشئ، فكل شئ مهدي نحو كماله بما جهز به من تجهيز، والله سبحانه هو الهادي.
فنظام الفعل والانفعال في الأشياء - وإن شئت فقل: النظام الجزئي الخاص بكل شئ، والنظام العام الجامع لجميع الأنظمة الجزئية من حيث ارتباط أجزائها وانتقال الأشياء من جزء منها إلى جزء - مصداق هدايته تعالى، وذلك بعناية أخرى مصداق لتدبيره، ومعلوم أن التدبير ينتهي إلى الخلق بمعنى أن الذي ينتهي وينتسب إليه تدبير الأشياء هو الذي أوجد نفس الأشياء فكل وجود أو صفة وجود ينتهي إليه ويقوم به.
فقد تبين أن الكلام - أعني قوله: * (الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) * - مشتمل على البرهان على كونه تعالى رب كل شئ لا رب غيره، فإن خلقه الأشياء وإيجاده لها يستلزم ملكه لوجوداتها - لقيامها به - وملك تدبير أمرها.
وعند هذا يظهر: أن الكلام على نظمه الطبيعي، والسياق جار على مقتضى المقام، فإن المقام مقام الدعوة إلى التوحيد وطاعة الرسول، وقد أتى فرعون بعد استماع كلمة الدعوة بما حاصله التغافل عن كونه تعالى ربا له، وحمل كلامهما على دعوتهما له إلى ربهما، فسأل: من ربكما؟ فكان من الحري أن يجاب بأن ربنا هو رب العالمين ليشملهما وإياه وغيرهم جميعا، فأجيب بما هو أبلغ من ذلك فقيل: * (ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى) * فأجيب بأنه رب كل شئ، وأفيد مع ذلك البرهان على هذا المدعى، ولو قيل: ربنا رب العالمين أفاد المدعى فحسب دون البرهان، فافهم ذلك.
وإنما أثبت في الكلام الهداية دون التدبير مع كون موردهما متحدا - كما تقدمت الإشارة إليه - لأن المقام مقام الدعوة والهداية، والهداية العامة أشد مناسبة له (1).
- الإمام الرضا (عليه السلام) - لما سئل عن قوله تعالى:
* (الله نور السماوات والأرض) * -: هاد لأهل السماء، وهاد لأهل الأرض (2).
- الإمام علي (عليه السلام): أيها المخلوق السوي، والمنشأ المرعي، في ظلمات الأرحام... ثم أخرجت من مقرك إلى دار لم تشهدها، ولم تعرف سبل منافعها، فمن هداك لاجترار الغذاء من ثدي أمك، وعرفك عند الحاجة مواضع طلبك وإرادتك! (3).
[3998] هداية الإنسان: الهداية العامة الكتاب * (إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا) * (4).
* (وهديناه النجدين) * (5).
- الإمام علي (عليه السلام): أفضل الذخر الهدى (6).