نظر الغزالي:
يرى الغزالي في كتابه " المنقذ من الضلال ":
أن أفضل طرق معرفة أنبياء الله وأكثرها قطعية هو المعرفة القلبية والكشف والشهود الباطني، وهو كذلك، فالشخص الذي يرى من خلال بصيرته القلبية، ويلاحظ نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) بطريقة علوية، فهو مضافا إلى استغنائه عن أي دليل لإثبات نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) يبلغ أرقى درجات المعرفة والبصيرة.
(انظر) التقوى: باب 4174.
[3819] شهادة شاهد منه الكتاب * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون) * (1).
* (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) * (2).
التفسير:
قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة) * الجملة تفريع على ما مضى من الكلام الذي هو في محل الاحتجاج على كون القرآن كتابا منزلا من عند الله سبحانه، و " من " مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: كغيره، أو ما يؤدي معناه، والدليل عليه قوله تلوا: * (أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) *.
والاستفهام إنكاري، والمعنى: ليس من كان كذا وكذا كغيره ممن ليس كذلك، وأنت على هذه الصفات، فلا تك في مرية من القرآن.
وقوله: * (على بينة من ربه) * البينة صفة مشبهة معناها: الظاهرة الواضحة، غير أن الأمور الظاهرة الواضحة ربما أوضحت ما ينضم إليها ويتعلق بها كالنور الذي هو بين ظاهر ويظهر به غيره، ولذلك كثر استعمال البينة فيما يتبين به غيره كالحجة والآية، ويقال للشاهد على دعوى المدعي: بينة.
وقد سمى الله تعالى الحجة بينة كما في قوله: * (ليهلك من هلك عن بينة) * (3) وسمى آيته بينة كما في قوله: * (قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم) * (4) وسمى البصيرة الخاصة الإلهية التي أوتيها الأنبياء بينة كما في قوله حكاية عن نوح (عليه السلام): * (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني رحمة من عنده) * (5) أو مطلق البصيرة الإلهية كما هو ظاهر قوله تعالى: * (أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم) * (6) وقد قال تعالى في معناه: * (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات