قوله تعالى: * (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل...) * (1) في أن المالكية من الأصول الثابتة الاجتماعية ما نصه:
بحث علمي اجتماعي:
كل ما بين أيدينا من الموجودات المكونة، ومنها النبات والحيوان والإنسان، فإنه يتصرف في الخارج عن دائرة وجوده مما يمكن أن ينتفع به في إبقاء وجوده لحفظ وجوده وبقائه، فلا خبر في الوجود عن موجود غير فعال، ولا خبر عن فعل يفعله فاعله لا لنفع يعود إليه، فهذه أنواع النبات تفعل ما تفعل لتنتفع به لبقائها ونشوئها و توليد مثلها، وكذلك أقسام الحيوان والإنسان تفعل ما تفعل لتنتفع به بوجه ولو انتفاعا خياليا أو عقليا، فهذا مما لا شبهة فيه.
وهذه الفواعل التكوينية تدرك بالغريزة الطبيعية والحيوان والإنسان بالشعور الغريزي أن التصرف في المادة لرفع الحاجة الطبيعية والانتفاع في حفظ الوجود والبقاء لا يتم للواحد منها إلا مع الاختصاص، بمعنى أن الفعل الواحد لا يقوم بفاعلين، فهذا حاصل الأمر وملاكه، ولذلك فالفاعل من الإنسان أو ما ندرك ملاك أفعاله فإنه يمنع عن المداخلة في أمره والتصرف فيما يريد هو التصرف فيه، وهذا أصل الاختصاص الذي لا يتوقف في اعتباره إنسان، وهو معنى اللام الذي في قولنا: لي هذا ولك ذلك، ولي أن أفعل كذا ولك أن تفعل كذا.
ويشهد به ما نشاهده من تنازع الحيوان فيما حازه من عش أو كن أو وكر أو ما اصطاده أو وجده مما يتغذى به أو ما ألفه من زوج ونحو ذلك، وما نشاهده من تشاجر الأطفال فيما حازوه من غذاء ونحوه حتى الرضيع يشاجر الرضيع على الثدي، ثم إن ورود الإنسان في ساحة الاجتماع بحكم فطرته وقضاء غريزته لا يستحكم به إلا ما أدركه بأصل الفطرة إجمالا، ولا يوجب إلا إصلاح ما كان وضعه أولا وترتيبه وتعظيمه في صورة النواميس الاجتماعية الدائرة، وعند ذلك يتنوع الاختصاص الإجمالي المذكور أنواعا متفرقة ذوات أسام مختلفة، فيسمى الاختصاص المالي بالملك وغيره بالحق وغير ذلك.
وهم وإن أمكن أن يختلفوا في تحقق الملك من جهة أسبابه كالوراثة والبيع والشراء والغصب بقوة السلطان وغير ذلك، أو من جهة الموضوع الذي هو المالك كالإنسان الذي هو بالغ أو صغير أو عاقل أو سفيه أو فرد أو جماعة إلى غير ذلك من الجهات، فيزيدوا في بعض وينقصوا من بعض، ويثبتوا لبعض وينفوا عن بعض، لكن أصل الملك في الجملة مما لا مناص لهم عن اعتباره، ولذلك نرى أن المخالفين للملك يسلبونه عن الفرد وينقلونه إلى المجتمع أو الدولة الحاكمة عليهم وهم مع ذلك غير قادرين على سلبه عن الفرد من أصله ولن يقدروا على ذلك فالحكم فطري، وفي بطلان الفطرة فناء الانسان.
وسنبحث فيما يتعلق بهذا الأصل الثابت من حيث أسبابه كالتجارة والربح والإرث والغنيمة والحيازة، ومن حيث الموضوع كالبالغ والصغير