خلقة استثنائية ناقضة للعادة الجارية. فالقول بآدم النوعي في حد التفريط، والإفراط - الذي يقابله - قول بعضهم: إن القول بخلق أزيد من آدم واحد كفر. ذهب إليه زين العرب من علماء أهل السنة (1).
كلام في أن الإنسان نوع مستقل غير متحول من نوع آخر:
الآيات السابقة تكفي مؤونة هذا البحث، فإنها تنهي هذا النسل الجاري بالنطفة إلى آدم وزوجته وتبين أنهما خلقا من تراب، فالإنسانية تنتهي إليهما وهما لا يتصلان بآخر يماثلهما أو يجانسهما وإنما حدثا حدوثا.
والشائع اليوم عند الباحثين عن طبيعة الإنسان أن الإنسان الأول فرد تكامل إنسانا، وهذه الفرضية بخصوصها وإن لم يتسلمها الجميع تسلما يقطع الكلام، واعترضوا عليه بأمور كثيرة مذكورة في الكتب، لكن أصل الفرضية - وهي أن الإنسان حيوان تحول إنسانا - مما تسلموه وبنوا عليه البحث عن طبيعة الإنسان.
فإنهم فرضوا أن الأرض - وهي أحد الكواكب السيارة - قطعة من الشمس مشتقة منها، وقد كانت في حال الاشتعال والذوبان ثم أخذت في التبرد من تسلط عوامل البرودة، وكانت تنزل عليها أمطار غزيرة وتجري عليها السيول وتتكون فيها البحار، ثم حدثت تراكيب مائية وأرضية فحدثت النباتات المائية، ثم حدثت بتكامل النبات واشتمالها على جراثيم الحياة السمك وسائر الحيوان المائي، ثم السمك الطائر ذو الحياتين، ثم الحيوان البري، ثم الإنسان، كل ذلك بتكامل عارض للتركيب الأرضي الموجود في المرتبة السابقة يتحول به التركيب في صورته إلى المرتبة اللاحقة، فالنبات ثم الحيوان المائي ثم الحيوان ذو الحياتين ثم الحيوان البري ثم الإنسان على الترتيب. هذا.
كل ذلك لما يشاهد من الكمال المنظم في بنيها نظم المراتب الآخذة من النقص إلى الكمال، ولما يعطيه التجريب في موارد جزئية التطور.
وهذه فرضية افترضت لتوجيه ما يلحق بهذه الأنواع من الخواص والآثار من غير قيام دليل عليها بالخصوص ونفي ما عداها، مع إمكان فرض هذه الأنواع متبائنة من غير اتصال بينها بالتطور وقصر التطور على حالات هذه الأنواع دون ذواتها وهي التي جرى فيها التجارب، فإن التجارب لم يتناول فردا من أفراد هذه الأنواع تحول إلى فرد من نوع آخر كقردة إلى إنسان، وإنما يتناول بعض هذه الأنواع من حيث خواصها ولوازمها وأعراضها.
واستقصاء هذا البحث يطلب من غير هذا الموضع، وإنما المقصود الإشارة إلى أنه فرض افترضوه لتوجيه ما يرتبط به من المسائل من غير أن يقوم عليه دليل قاطع، فالحقيقة التي يشير إليها القرآن الكريم من كون الإنسان نوعا مفصولا عن سائر الأنواع غير معارضة بشئ علمي (2).