آمن به وقال: * (إني مهاجر إلى ربي) * (1) فنجاه الله مع إبراهيم إلى الأرض المقدسة أرض فلسطين (2)، فنزل في بعض بلادها وهي مدينة سدوم على ما في التواريخ والتوراة وبعض الروايات.
وكان أهل المدينة وما والاها من المدائن - وقد سماها الله في كلامه ب المؤتفكات (3) - يعبدون الأصنام، ويأتون بالفاحشة: اللواط، وهم أول قوم شاع فيهم ذلك (4) حتى كانوا يأتون به في نواديهم من غير إنكار (5)، ولم يزل تشيع الفاحشة فيهم حتى عادت سنة قومية ابتلت به عامتهم وتركوا النساء وقطعوا السبيل (6).
فأرسل الله لوطا إليهم (7) فدعاهم إلى تقوى الله وترك الفحشاء والرجوع إلى طريق الفطرة وأنذرهم وخوفهم فلم يزدهم إلا عتوا، ولم يكن جوابهم إلا أن قالوا: ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، وهددوه بالإخراج من بلدتهم وقالوا له: * (لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين) * (8) و * (قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون) * (9).
2 - عاقبة أمرهم:
لم يزل لوط (عليه السلام) يدعوهم إلى سبيل الله وملازمة سنة الفطرة وترك الفحشاء وهم يصرون على عمل الخبائث، حتى استقر بهم الطغيان وحقت عليهم كلمة العذاب، فبعث الله رسلا من الملائكة المكرمين لإهلاكهم، فنزلوا أولا على إبراهيم (عليه السلام) وأخبروه بما أمرهم الله به من إهلاك قوم لوط، فجادلهم إبراهيم (عليه السلام) لعله يرد بذلك عنهم العذاب، وذكرهم بأن فيهم لوطا، فردوا عليه بأنهم أعلم بموقع لوط وأهله، وأنه قد جاء أمر الله وأن القوم آتيهم عذاب غير مردود (10).
فمضوا إلى لوط في صور غلمان مرد ودخلوا عليه ضيفا، فشق ذلك على لوط وضاق بهم ذرعا لما كان يعلم من قومه أنهم سيتعرضون لهم وأنهم غير تاركيهم البتة فلم يلبث دون أن سمع القوم بذلك وأقبلوا يهرعون إليه وهم يستبشرون وهجموا على داره، فخرج إليهم وبالغ في وعظهم واستثار فتوتهم ورشدهم حتى عرض عليهم بناته وقال: يا قوم إن هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزوني في ضيفي، ثم استغاث وقال: أليس منكم رجل رشيد؟! فردوا عليه أنه ليس لهم في بناته إربة وأنهم غير تاركي أضيافه البتة حتى أيس لوط و * (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) * (11).
قالت الملائكة عند ذلك: يا لوط إنا رسل ربك طب نفسا إن القوم لن يصلوا إليك، فطمسوا أعين القوم فعادوا عميانا يتخبطون وتفرقوا (12).
ثم أمروا لوطا (عليه السلام) أن يسري بأهله من ليلته بقطع من الليل ويتبع أدبارهم، ولا يلتفت