إلى الدهاء والعقل، وينسبونه (عليه السلام) إلى ضعف الرأي، لما كانوا يرون من إصابة حيل معاوية المبنية على الكذب والغدر والمكر، فبين (عليه السلام) أنه أعرف بتلك الحيل منه، ولكنها لما كانت مخالفة لأمر الله ونهيه فلذا لم يستعملها، كما روى السيد (رضي الله عنه) في نهج البلاغة عنه صلوات الله عليه أنه قال: ولقد أصبحنا في زمان اتخذ أكثر أهله الغدر كيسا، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة، مالهم قاتلهم الله؟! قد يرى الحول القلب وجه الحيلة، ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين.
والحريجة التقوى، وقال بعض الشراح في تفسير هذا الكلام: وذلك لجهل الفريقين بثمرة الغدر، وعدم تمييزهم بينه وبين الكيس، فإنه لما كان الغدر هو التفطن بوجه الحيلة وإيقاعها على المغدور به، وكان الكيس هو التفطن بوجه الحيلة والمصالح فيما ينبغي، كانت بينهما مشاركة في التفطن بالحيلة واستخراجها بالآراء، إلا أن تفطن الغادر بالحيلة التي هو غير موافقة للقوانين الشرعية والمصالح الدينية، والكيس هو التفطن بالحيلة الموافقة لهما، ولدقة الفرق بينهما يلبس الغادر غدره بالكيس وينسبه الجاهلون إلى حسن الحيلة كما نسب ذلك إلى معاوية وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة وأضرابهم، ولم يعلموا أن حيلة الغادر تخرجه إلى رذيلة الفجور، وأنه لا حسن لحيلة جرت إلى رذيلة، بخلاف حيلة الكيس ومصلحته فإنها تجر إلى العدل. انتهى.
وقد صرح (عليه السلام) بذلك في مواضع يطول ذكرها، وكونه (عليه السلام) أعرف بتلك الأمور وأقدر عليها ظاهر، لأن مدار المكر على استعمال الفكر في درك الحيل، ومعرفة طرق المكروهات، وكيفية إيصالها إلى الغير على وجه لا يشعر به، وهو (عليه السلام) لسعة علمه كان أعرف الناس بجميع الأمور، والمراد بكونهما في النار كون المتصف بهما فيها، والإسناد على المجاز (1).
(انظر) الحرب: باب 765.
[3699] مكر الله الكتاب * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) * (2).
* (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون * فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين) * (3).
- الإمام علي (عليه السلام): من أمن مكر الله هلك (4).
- الإمام الصادق (عليه السلام): إذا رأيتم العبد يتفقد الذنوب من الناس ناسيا لذنبه فاعلموا أنه قد مكر به (5).
- الإمام علي (عليه السلام): لا تأمنن على خير هذه الأمة عذاب الله لقوله تعالى: * (فلا يأمن مكر الله