إنك لن تستطيع معي صبرا؟! فلم يكن عند موسى ما يعتذر به ويمتنع به عن مفارقته ونفسه غير راضية بها، فاستدعى منه مصاحبة مؤجلة بسؤال خر إن أتى به كان له فراقه واستمهله قائلا:
إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا، وقبله العالم.
فانطلقا حتى أتيا قرية وقد بلغ بهما الجوع فاستطعما أهلها فلم يضيفهما أحد منهم، وإذا بجدار فيها يريد أن ينقض ويتحذر منه الناس فأقامه العالم، قال له موسى: لو شئت لاتخذت على عملك منهم أجرا فتوسلنا به إلى سد الجوع، فنحن في حاجة إليه والقوم لا يضيفوننا.
فقال له العالم: هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا، ثم قال: أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر ويتعيشون بها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا، فخرقتها لتكون معيبة لا يرغب فيها.
وأما الغلام فكان كافرا وكان أبواه مؤمنين، ولو أنه عاش لأرهقهما بكفره وطغيانه فشملتهما الرحمة الإلهية، فأمرني أن أقتله ليبدلهما ولدا خيرا منه زكاة وأقرب رحما فقتلته.
وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا، فشملتهما الرحمة الإلهية لصلاح أبيهما، فأمرني أن أقيمه فيستقيم حتى يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما، ولو انقض لظهر أمر الكنز وانتهبه الناس.
قال: وما فعلت الذي فعلت عن أمري بل عن أمر من الله، وتأويلها ما أنبأتك به، ثم فارق موسى.
2 - قصة الخضر (عليه السلام):
لم يرد ذكره في القرآن إلا ما في قصة رحلة موسى إلى مجمع البحرين، ولا ذكر شئ من جوامع أوصافه إلا ما في قوله تعالى: * (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) * (1) من السورة، والذي يتحصل من الروايات النبوية أو الواردة من طرق أئمة أهل البيت في قصته ففي رواية محمد بن عمارة عن الصادق (عليه السلام) أن الخضر كان نبيا مرسلا بعثه الله تبارك وتعالى إلى قومه فدعاهم إلى توحيده والإقرار بأنبيائه ورسله وكتبه، وكان آيته أنه لا يجلس على خشبة يابسة ولا أرض بيضاء إلا أزهرت خضراء، وإنما سمي خضرا لذلك، وكان اسمه تاليا بن مالك بن عابر بن ارفخشد بن سام بن نوح... الحديث. ويؤيد ما ذكر من وجه تسميته ما في الدر المنثور عن عدة من أرباب الجوامع عن ابن عباس وأبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إنما سمي الخضر خضرا لأنه صلى على فروة بيضاء فاهتزت خضراء.
وفي بعض الأخبار - كما فيما رواه العياشي عن بريد عن أحدهما (عليهما السلام) -: الخضر وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيين... الحديث، لكن الآيات النازلة في قصته مع موسى لا تخلو