غنيمة أو جزية أو خراج أو صدقات أو نحو ذلك فله أيضا موارد إنفاق معينة في الدين، وليس في شئ من ذلك لوالي الأمر أن يخص نفسه أو واحدا من أهل بيته بشئ يزيد على لازم مؤنته فضلا أن يكنز الكنوز ويرفع به القصور ويتخذ الحجاب ويعيش عيشة قيصر وكسرى.
وأما هؤلاء فإنما كانوا يقولونه دفعا لاعتراض الناس عليهم - في صرف مال المسلمين في سبيل شهواتهم وبذله فيما لا يرضى الله، ومنعه أهليه ومستحقيه - أن المال للمسلمين تصرفونه في غير سبيلهم! فيقولون: إن المال مال الله ونحن امناؤه نعمل فيه بما نراه، فيستبيحون بذلك اللعب بمال الله كيف شاؤوا، ويستنتجون به صحة عملهم فيه بما أرادوا، وهو لا ينتج إلا خلافه، ومال الله ومال المسلمين بمعنى واحد، وقد أخذوهما لمعنيين اثنين يدفع أحدهما الآخر.
ولو كان مراد معاوية بقوله: " المال مال الله " هو الصحيح من معناه لم يكن معنى لخروج أبي ذر من عنده وندائه في الملأ من الناس: بشر الكانزين بكي في الجباه وكي في الجنوب وكي في الظهور.
على أن معاوية قد قال لأبي ذر: إنه يرى أن آية الكنز خاصة بأهل الكتاب، وربما كان من أسباب سوء ظنه بهم إصرارهم عند كتابة مصحف عثمان أن يحذفوا الواو من قوله: * (والذين يكنزون الذهب...) * إلخ حتى هددهم أبي بالقتال إن لم يلحقوا الواو فألحقوها، وقد مرت الرواية.
فالقصة في حديث الطبري عن سيف عن شعيب وإن سيقت بحيث تقضي على أبي ذر بأنه كان مخطئا فيما اجتهد به - كما اعترف به الطبري في أول كلامه - غير أن أطراف القصة تقضي بإصابته.
وبالجملة: فالآية تدل على حرمة كنز الذهب والفضة فيما كان هناك سبيل لله يجب إنفاقه فيه، وضرورة داعية إليه لمستحقي الزكاة مع الامتناع من تأديتها، والدفاع الواجب مع عدم النفقة وانقطاع سبيل البر والإحسان بين الناس.
ولا فرق في تعلق وجوب الإنفاق بين المال الظاهر الجاري في الأسواق وبين الكنز المدفون في الأرض، غير أن الكنز يختص بشئ زائد وهو خيانة ولي الأمر في ستر المال وغروره، كما تقدم ذكره في البيان المتقدم (1).
[3754] النهي عن عبودية المال - الإمام الحسين (عليه السلام): مالك إن لم يكن لك كنت له، فلا تبق عليه فإنه لا يبقي عليك، وكله قبل أن يأكلك! (2).
أقول: ولنعم ما قيل في تفسير الزهد أنه " ليس الزهد أن لا تملك شيئا، بل الزهد أن لا يملكك شئ ".
[3755] حق المال على صاحبه - الإمام زين العابدين (عليه السلام): أما حق مالك فأن