نيته، فلذلك الوقت نية المؤمن خير من عمله.
وفي وجه آخر أنها لا يفارقه عقله أو نفسه، والأعمال قد يفارقه قبل مفارقة العقل والنفس (1).
- الإمام علي (عليه السلام): رب نية أنفع من عمل (2).
أقول: في البحار بعد ذكر وجوه في تفسير قوله (عليه السلام): " نية المؤمن خير من عمله " ما نصه:
وبعد ما أحطت خبرا بما ذكرناه نذكر ما هو أقوى عندنا بعد الإعراض عن الفضول، وهو الحق الحقيق بالقبول.
فاعلم أن الإشكالات الناشئة من هذا الخبر إنما هو لعدم تحقيق معنى النية، وتوهم أنها تصور الغرض والغاية وإخطارها بالبال، وإذا حققتها كما أومأنا إليه سابقا عرفت أن تصحيح النية من أشق الأعمال وأحمزها، وأنها تابعة للحالة التي النفس متصفة بها، وكمال الأعمال وقبولها وفضلها منوط بها، ولا يتيسر تصحيحها إلا بإخراج حب الدنيا وفخرها وعزها من القلب، برياضات شاقة، وتفكرات صحيحة، ومجاهدات كثيرة، فإن القلب سلطان البدن، وكلما استولى عليه يتبعه سائر الجوارح، بل هو الحصن الذي كل حب استولى عليه وتصرف فيه يستخدم سائر الجوارح والقوى، ويحكم عليها، ولا تستقر فيه محبتان غالبتان، كما قال الله عز وجل: يا عيسى لا يصلح لسانان في فم واحد ولا قلبان في صدر واحد، وكذلك الأذهان (3)، وقال سبحانه: * (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) * (4).
فالدنيا والآخرة ضرتان لا يجتمع حبهما في قلب، فمن استولى على قلبه حب المال لا يذهب فكره وخياله وقواه وجوارحه إلا إليه، ولا يعمل عملا إلا ومقصوده الحقيقي فيه تحصيله، وإن ادعى غيره كان كاذبا، ولذا يطلب الأعمال التي وعد فيها كثرة المال ولا يتوجه إلى الطاعات التي وعد فيها قرب ذي الجلال، وكذا من استولى عليه حب الجاه ليس مقصوده في أعماله إلا ما يوجب حصوله، وكذا سائر الأغراض الباطلة الدنيوية، فلا يخلص العمل لله سبحانه وللآخرة إلا بإخراج حب هذه الأمور من القلب، وتصفيته عما يوجب البعد عن الحق.
فللناس في نياتهم مراتب شتى بل غير متناهية بحسب حالاتهم، فمنها ما يوجب فساد العمل وبطلانه، ومنها ما يوجب صحته، ومنها ما يوجب كماله، ومراتب كماله أيضا كثيرة (5).
[3984] الحث على النية في كل شئ - رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا أبا ذر! ليكن لك في كل شئ نية صالحة حتى في النوم والأكل (6).