وقوفه في الصلاة سمعته قائلا:
يا رب يا رب أنت مولاه * فارحم عبيدا إليك ملجاه يا ذا المعالي عليك معتمدي * طوبى لمن كنت أنت مولاه طوبى لمن كان خادما أرقا * يشكو إلى ذي الجلال بلواه وما به علة ولا سقم * أكثر من حبه لمولاه إذا اشتكى بثه وغصته * أجابه الله ثم لباه إذا ابتلى بالظلام مبتهلا * أكرمه الله ثم أدناه فنودي:
لبيك عبدي وأنت في كنفي * وكلما قلت قد علمناه صوتك تشتاقه ملائكتي * فحسبك الصوت قد سمعناه دعاك عندي يجول في حجب * فحسبك الستر قد سفرناه لو هبت الريح من جوانبه * خر صريعا لما تغشاه سلني بلا رغبة ولا رهب * ولا حساب إني أنا الله (1) [3855] مناجاة الإمام زين العابدين (عليه السلام) - حماد بن حبيب العطار الكوفي:
خرجنا حجاجا فرحلنا من زبالة ليلا، فاستقبلنا ريح سوداء مظلمة، فتقطعت القافلة فتهت في تلك الصحاري والبراري فانتهيت إلى واد قفر، فلما أن جنني الليل آويت إلى شجرة عادية، فلما أن اختلط الظلام إذا أنا بشاب قد أقبل، عليه أطمار بيض، تفوح منه رائحة المسك، فقلت في نفسي:
هذا ولي من أولياء الله متى ما أحس بحركتي خشيت نفاره وأن أمنعه عن كثير مما يريد فعاله، فأخفيت نفسي ما استطعت، فدنا إلى الموضع فتهيأ للصلاة، ثم وثب قائما وهو يقول: يا من أحار كل شئ ملكوتا، وقهر كل شئ جبروتا، ألج قلبي فرح الإقبال عليك، وألحقني بميدان المطيعين لك.
قال: ثم دخل في الصلاة، فلما أن رأيته قد هدأت أعضاؤه وسكنت حركاته، قمت إلى الموضع الذي تهيأ منه للصلاة فإذا بعين تفيض بماء أبيض، فتهيأت للصلاة ثم قمت خلفه، فإذا أنا بمحراب كأنه مثل في ذلك الموقف! فرأيته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد والوعيد يرددها بأشجان الحنين، فلما أن تقشع الظلام وثب قائما وهو يقول: يامن قصده الطالبون فأصابوه مرشدا، وأمه الخائفون فوجدوه متفضلا، ولجأ إليه العابدون فوجدوه نوالا، فخفت أن يفوتني شخصه، وأن يخفى علي أثره، فتعلقت به، فقلت له: بالذي أسقط عنك ملال التعب، ومنحك شدة شوق لذيذ الرعب، إلا ألحقتني منك جناح رحمة، وكنف (2) رقة؟ فإني ضال، وبعيني كلما صنعت، وباذني كلما نطقت، فقال: لو صدق توكلك ما كنت ضالا، ولكن اتبعني واقف أثري،