والظلمة من النور.
وقوله: * (ليبلوكم أيكم أحسن عملا) * غاية خلقه تعالى الموت والحياة، والبلاء الامتحان، والمراد أن خلقكم هذا النوع من الخلق - وهو أنكم تحيون ثم تموتون - خلق مقدمي امتحاني يمتاز به منكم من هو أحسن عملا من غيره، ومن المعلوم أن الامتحان والتمييز لا يكون إلا لأمر ما يستقبلكم بعد ذلك وهو جزاء كل بحسب عمله.
وفي الكلام مع ذلك إشارة إلى أن المقصود بالذات من الخلقة هو إيصال الخير من الجزاء، حيث ذكر حسن العمل وامتياز من جاء بأحسنه، فالمحسنون عملا هم المقصودون بالخلقة وغيرهم مقصودون لأجلهم.
وقد ذيل الكلام بقوله: * (وهو العزيز الغفور) * فهو العزيز لأن الملك والقدرة المطلقين له وحده، فلا يغلبه غالب وما أقدر أحدا على مخالفته إلا بلاء وامتحانا وسينتقم منهم، وهو الغفور لأنه يعفو عن كثير من سيئاتهم في الدنيا وسيغفر كثيرا منها في الآخرة كما وعد.
وفي التذييل بالاسمين مع ذلك تخويف وتطميع على ما يدعو إلى ذلك سياق الدعوة.
واعلم أن مضمون الآية ليس مجرد دعوى خالية عن الحجة يراد به التلقين كما ربما يتوهم بل هي مقدمة قريبة من الضرورة - أو هي ضرورية - تستدعي الحكم بضرورة البعث للجزاء، فإن الإنسان المتلبس بهذه الحياة الدنيوية الملحوقة للموت لا يخلو من أن يحصل له وصف حسن العمل أو خلافه، وهو مجهز بحسب الفطرة بما لولا عروض عارض السوء لساقه إلى حسن العمل، وقلما يخلو إنسان من حصول أحد الوصفين كالأطفال ومن في حكمهم.
والوصف الحاصل المترتب على وجود الشئ الساري في أغلب أفراده غاية في وجوده مقصودة في إيجاده، فكما أن الحياة النباتية لشجرة كذا إذ كانت تؤدي في الغالب إلى إثمارها ثمرة كذا يعد ذلك غاية لوجودها مقصودة منها كذلك حسن العمل والصلاح غاية لخلق الإنسان، ومن المعلوم أيضا أن الصلاح وحسن العمل لو كان مطلوبا لكان مطلوبا لغيره لا لنفسه، والمطلوب بالذات الحياة الطيبة التي لا يشوبها نقص ولا يعرضها لغو ولا تأثيم، فالآية في معنى قوله: * (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة) * (1).
[3718] اليقين بالموت - الإمام الصادق (عليه السلام): ما خلق الله عز وجل يقينا لاشك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت (2).
- الإمام علي (عليه السلام): ما رأيت إيمانا مع يقين أشبه منه بشك على هذا الإنسان، إنه كل يوم يودع إلى القبور، ويشيع، وإلى غرور