الطيبة في المجتمع، قال تعالى: * (ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض مالها من قرار) * (1).
فجعل الإيمان بالله كشجرة لها أصل وهو التوحيد لا محالة، واكل تؤتيه كل حين بإذن ربها وهو العمل الصالح، وفرع وهو الخلق الكريم كالتقوى والعفة والمعرفة والشجاعة والعدالة والرحمة ونظائرها.
وقال تعالى: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) * (2)، فجعل سعادة الصعود إلى الله - وهو القرب منه تعالى - للكلم الطيب وهو الاعتقاد الحق، وجعل العمل الذي يصلح له ويناسبه هو الذي يرفعه ويمده في صعوده.
بيان ذلك: أن من المعلوم أن الإنسان لا يتم له كماله النوعي ولا يسعد في حياته - التي لا بغية له أعظم من إسعادها - إلا باجتماع من أفراد يتعاونون على أعمال الحياة على ما فيها من الكثرة والتنوع، وليس يقوى الواحد من الإنسان على الإتيان بها جميعا.
وهذا هو الذي أحوج الإنسان الاجتماعي إلى أن يتسنن بسنن وقوانين يحفظ بها حقوق الأفراد عن الضيعة والفساد، حتى يعمل كل منهم ما في وسعه العمل به، ثم يبادلوا أعمالهم فينال كل من النتائج المعدة ما يعادل عمله ويقدره وزنه الاجتماعي من غير أن يظلم القوي المقتدر أو يظلم الضعيف العاجز.
ومن المسلم أن هذه السنن والقوانين لا تثبت مؤثرة إلا بسنن وقوانين أخرى جزائية تهدد المتخلفين عن السنن والقوانين المتعدين على حقوق ذوي الحقوق، وتخوفهم بالسيئة قبال السيئة، وبأخرى تشوقهم وترغبهم في عمل الخيرات، وتضمن إجراء الجميع القوة الحاكمة التي تحكم فيهم وتتسيطر عليهم بالعدل والصدق.
وإنما تتحقق هذه الأمنية إذا كانت القوة المجرية للقوانين عالمة بالجرم وقوية على المجرم، وأما إذا جهلت ووقع الإجرام على جهل منها أو غفلة - وكم له من وجود - فلا مانع يمنع من تحققه، والقوانين لا أيدي لها تبطش بها، وكذا إذا ضعفت الحكومة بفقد القوى اللازمة أو مساهلة في السياسة والعمل فظهر عليها المجرم أو كان المجرم أشد قوة ضاعت القوانين وفشت التخلفات والتعديات على حقوق الناس، والإنسان - كما مر مرارا في المباحث السابقة من هذا الكتاب - مستخدم بالطبع يجر النفع إلى نفسه ولو أضر غيره.
ويشتد هذا البلوى إذا تمركزت هذه القوة في القوة المجرية أو من يتولى أزمة جميع الأمور، فاستضعف الناس وسلب منهم القدرة على رده إلى العدل وتقويمه بالحق، فصار ذا قوة وشوكة لا يقاوم في قوته ولا يعارض في إرادته.
والتواريخ المحفوظة مملوءة من قصص