ومن المعلوم أن هذا ليس قسرا دائما، ولو كان مجرد حرمان موجود عن كماله الممكن له بواسطة عمل عوامل وتأثير علل مؤثرة قسرا دائما لكان أكثر حوادث هذا العالم - الذي هو دار التزاحم وموطن التضاد - أو جميعها قسرا دائما، فجميع أجزاء هذا العالم الطبيعي مؤثرة في الجميع، وإنما القسر الدائم أن يجعل في غريزة نوع من الأنواع اقتضاء كمال من الكمالات أو استعداد ثم لا يظهر أثر ذلك دائما إما لأمر في داخل ذاته أو لأمر من خارج ذاته متوجه إلى إبطاله بحسب الغريزة، فيكون تغريز النوع المقتضي أو المستعد للكمال تغريزا باطلا وتجبيلا هباء لغوا فافهم ذلك، وكذا لو فرضنا إنسانا تغيرت صورته إلى صورة نوع آخر من أنواع الحيوان كالقرد والخنزير فإنما هي صورة على صورة، فهو إنسان خنزير أو إنسان قردة، لا إنسان بطلت انسانيته وحلت الصورة الخنزيرية أو القردية محلها، فالإنسان إذا كسب صورة من صور الملكات تصورت نفسه بها، ولا دليل على استحالة خروجها في هذه الدنيا من الكمون إلى البروز على حد ما ستظهر في الآخرة بعد الموت، وقد مر أن النفس الإنسانية في أول حدوثها على السذاجة يمكن أن تتنوع بصورة خاصة تخصصها بعد الإبهام وتقيدها بعد الإطلاق والقبول، فالممسوخ من الإنسان إنسان ممسوخ لا أنه ممسوخ فاقد للإنسانية، هذا.
ونحن نقرأ في المنشورات اليومية من أخبار المجامع العلمية بأوروبا وأمريكا ما يؤخذ جواز الحياة بعد الموت، وتبدل صورة الإنسان بصورة المسخ، وإن لم نتكل في هذه المباحث على أمثال هذه الأخبار، لكن من الواجب على الباحثين من المحصلين أن لا ينسوا اليوم ما يتلونه بالأمس.
فإن قلت: فعلى هذا فلا مانع من القول بالتناسخ.
قلت: كلا، فإن التناسخ - وهو تعلق النفس المستكملة بنوع كمالها بعد مفارقتها البدن ببدن آخر - محال، فإن هذا البدن إن كان ذا نفس استلزم التناسخ تعلق نفسين ببدن واحد، وهو وحدة الكثير وكثرة الواحد، وإن لم تكن ذا نفس استلزم رجوع ما بالفعل إلى القوة كرجوع الشيخ إلى الصبا، وكذلك يستحيل تعلق نفس إنساني مستكملة مفارقة ببدن نباتي أو حيواني بما مر من البيان (1).
[3694] نفي النسل عن المسوخ - رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الله تعالى لم يجعل لمسخ نسلا ولا عقبا، وقد كانت القردة والخنازير قبل ذلك (2).
- عنه (صلى الله عليه وآله): ما مسخ الله من شئ فكان له عقب ونسل (3).
- عنه (صلى الله عليه وآله): إن الله لم يمسخ شيئا فيدع له نسلا أو عاقبة (4).