لا غير ومنازلهم كما قد ذكرنا غير إن المنازل بحسب الآيات ومن ذكر وما ذكر فيها فإن التفاضل في الآيات مشهور على الوجه الذي جاء وفضلها يرجع إلى التالي من حيث ما هي عليه الآية في التلاوة متكلم بها لا من حيث إنها كلام الله فإن ذلك لا تفاضل فيه وإنما التفاضل يكون فيما تكلم به لا في كلامه فاعلم ذلك فأما حال هذا القطب فله التأثير في العالم ظاهر أو باطنا يشيد الله به هذا الدين أظهره بالسيف وعصمه من الجور فحكم بالعدل الذي هو حكم الحق في النوازل وربما يقع فيه من خالف حكمه من أهل المذاهب مثل الشافعية والمالكية والحنفية والحنابلة ومن انتمى إلى قول إمام لا يوافقها في الحكم هذا القطب وهو خليفة في الظاهر فإذا حكم بخلاف ما يقتضيه أدلة هؤلاء الأئمة قال أتباعهم بتخطئته في حكمه ذلك وأثموا عند الله بلا شك وهم لا يشعرون فإنه ليس لهم أن يخطئوا مجتهدا لأن المصيب عندهم واحد لا بعينه ومن هذه حاله فلا يقدم على تخطئة عالم من علماء المسلمين كما تكلم من تكلم في إمارة أسامة وأبيه زيد بن حارثة حتى قال في ذلك رسول الله ص ما قال فإذا طعن فيمن قدمه رسول الله ص وأمره ورجحوا نظرهم على نظر رسول الله ص فما ظنك بأحوالهم مع القطب وأين الشهرة من الشهرة هيهات فزنا وخسر المبطلون فوالله لا يكون داعيا إلى الله إلا من دعا على بصيرة لا من دعا على ظن وحكم به لا جرم أن من هذه حاله حجر على أمة محمد ص ما وسع الله به عليهم فضيق الله عليهم أمرهم في الآخرة وشدد الله عليهم يوم القيامة المطالبة والمحاسبة لكونهم شددوا على عباد الله أن لا ينتقلوا من مذهب إلى مذهب في نازلة طلبا لرفع الحرج واعتقدوا أن ذلك تلاعب بالدين وما عرفوا أنهم بهذا القول قد مرقوا من الدين بل شرع الله أوسع وحكمه أجمع وأنفع وقفوهم إنهم مسؤولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون هذا حال هؤلاء يوم القيامة فلا يؤذن لهم فيعتذرون ولهذا القطب مقام الكمال فلا يقيده نعت هو حكيم الوقت لا يظهر إلا بحكم الوقت وبما يقتضيه حال الزمان الإرادة بحكمه ما هو بحكم الإرادة فله السيادة وفيه عشر خصال أولها الحلم مع القدرة لأن له الفعل بالهمة فلا يغضب لنفسه أبدا وإذا انتهكت محارم الله فلا يقوم شئ لغضبه فهو يغضب لله والثانية الأناة في الأمور التي يحمد الله الأناة فيها مع المسارعة إلى الخيرات فهو يسارع إلى الأناة ويعرف مواطنها والثالثة الاقتصاد في الأشياء فلا يزيد على ما يطلبه الوقت شيئا فإن الميزان بيده يزن به الزمان والحال فيأخذ من حاله لزمانه ومن زمانه لحاله فيخفض ويرفع والرابعة التدبير وهو معرفة الحكمة فيعلم المواطن فيلقاها بالأمور التي تطلبها المواطن كما فعل أبو دجانة حين أعطاه النبي ص السيف بحقه في بعض غزواته فمشى به الخيلاء بين الصفين فقال رسول الله ص وهو ينظر إلى زهوه هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن ولهذا كان مشي رسول الله ص فيه سرعة كأنما ينحط في صبب فصاحب التدبير ينظر في الأمور قبل إن يبرزها في عالم الشهادة فله التصرف في عالم الغيب فلا يأخذ من المعاني إلا ما تقتضيه الحكمة فهو الحكيم الخبير فما ينبغي أن يبديه مجملا أبداه مجملا وما ينبغي أن يبديه مفصلا أبداه مفصلا وما ينبغي أن يبديه محكما أبداه محكما وما ينبغي أن يبديه متشابها أبداه متشابها والخصلة الخامسة التفصيل وهو العلم بما يقع به الامتياز بين الأشياء مما يقع به الاشتراك فينفصل كل أمر عن مماثله ومقابله وخلافه ويأتي إلى الأسماء الإلهية القريبة التشابه كالعليم والخبير والمحصي والمحيط والحكيم وكلها من أسماء العلم وهي بمعنى العليم غير إن بين كل واحد وبين الآخر دقيقة وحقيقة يمتاز بها عن الباقي هكذا في كل اسم يكون بينه وبين غيره مشاركة والسادسة العدل وهو أمر يستعمل في الحكومات والقسمة والقضايا وإيصال الحقوق إلى أهلها وهو في الحقوق شبيه بما ذكر الله عن نفسه أنه أعطى كل شئ خلقه وقوله في موسى قد علم كل أناس مشربهم وقوله في ناقة صالح لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ويتعلق به علم الجزاء في الدارين والعدل بين الجناية والحد والتعزير والسابعة الأدب وهو العلم بجوامع الخيرات كلها في كل عالم وهو العلم الذي يحضره في البساط ويمنحه المجالسة والشهود والمكالمة والمسامرة والحديث والخلوة والمعاملة بما في نفس الحق في المواطن من الجلوة فهذا وأمثاله هو الأدب والثامنة الرحمة ومتعلقها منه كل مستضعف وكل جبار فيستنزله برحمته ولطفه من جبروته وكبريائه وعظمته بأيسر مئونة
(٧٩)