ومليكة فجاء بلفظة شئ وهي تنطلق على الأعيان الثابتة والوجودية فما وجد منها فهو متناه وما لم يوجد فلا يوصف بالتناهي ثم أنظر في الخبر الإلهي الثابت الصحيح قوله لو أن أولكم وآخركم وما له آخر لأن الأمر لا يتناهى فلا يظهر الآخر إلا فيما وجد ثم يوجد آخر فيزول عن ذلك حكم الآخر وينتقل إلى هذا الذي وجد هكذا إلى ما لا يتناهى وقد يتناهى الأمر في نوع خاص كالإنسان فإن أشخاص هذا النوع متناهية لا أشخاص العالم ولا يتناهى أيضا خلق أشخاص النوع الإنساني بوجه آخر لا يعثر عليه كل أحد وهو في قوله تعالى بل هم في لبس من خلق جديد فعين كل شخص يتجدد في كل نفس لا بد من ذلك فلا يزال الحق فاعلا في الممكنات الوجود ويدل على ذلك اختلاف الأحكام على الأعيان في كل حال فلا بد أن تكون تلك العين التي لها هذه الحال الخاص ليست تلك العين التي كان لها ذلك الحال الذي شوهد مضيه وزواله فيما شوهد من ذلك ثم قال وإنسكم وجنكم وهو ما تبصرون وما لا تبصرون وجاء بلو وهي كلمة امتناع لامتناع أي لو وقع هذا لكان الحكم فيه كما قرره ثم قال كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا وهو الصحيح لأن ذلك عين ملكه فما زاد شئ في ملكه بل يقبل الزيادة ملك الوجود وهو إنما أراد ملك الثبوت فالنقص والزيادة في الوجود ثم قال ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا وكيف ينقص منه والكل عين ملكه ثم قال لو أن أولكم لكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد ثم سألوا فأعطيت كل واحد منهم مسألته ما نقص ذلك من ملكي شيئا لأن المعطى والمعطي إياه ما هو سوى عين ملكه فما خرج شئ عن ملكه إلا أن ملكه منه ما هو موصوف بالوجود ومنه ما هو موصوف بالثبوت فالثبوت والوجود منه لا بد أن يكون متناهيا والثابت لا نهاية له وما لا نهاية له لا يتصف بالنقص لأن الذي حصل منه في الوجود ما هو نقص في الثبوت لأنه في الثبوت لعينه في حال وجوده إلا إن الله كساه حلة الوجود بنفسه فالوجود لله الحق وهو على ثبوته ما نقص ولا زاد فما كسي منه حلة الوجود كأنه تعين وتخصص وحده مما لا يتناهى حد المخيط إذا غمسته في اليم فانظر ما يتعلق به فإنا نعلم أن المثال صحيح فإنا نعلم أن من الأعيان الثابتة ما يتصف بالوجود كما نعلم أن المخيط قد تعلق به من اليم في الغمس ونسبة ما تعلق من الماء بالمخيط من اليم ما هو في الدرجة مثل ما اكتسى من الأعيان الثابتة حلة الوجود لأن اليم محصور يأخذه العدد والتناهي لوجوده والأعيان الثابتة لا نهاية لها وما لا يتناها لا يأخذه حد ولا يحصيه عدد مع صحة المثال بلا شك وهكذا مثل الخضر لموسى بنقر الطائر في البحر بمنقاره وهو على حرف السفينة فقال له الخضر تدري ما يقول هذا الطائر وكان الخضر قد أعطى منطق الطير فكان نقرة كلاما عند الخضر لا علم لموسى بذلك وكان الخضر قد ذكر لموسى ع أنه على علم علمه الله لا يعلمه موسى وموسى على علم علمه الله لا يعلمه خضر مع العلم الكثير الذي كان عند كل واحد منهما فقال ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا بقدر ما نقر هذا الطائر ومعلوم أنه قد حصل شيئا من الماء في نقرة كذلك حصل بما علمه موسى والخضر من العلم شركه مع الله في ذلك القدر فعلمنا من علم الله شيئا مما يعلمه الله فحقق ما حصل لك وما بقي ولم يحصل لك فوقع التشبيه الصحيح من جهة ما حصل لا من جهة ما لم يحصل لأن الذي لم يحصل من اليم متناه والذي لم يحصل من العلم لموسى والخضر غير متناه فلذلك جاء ضرب المثل من جهة ما حصل خاصة فإنا لا نشك في أنه حصل شئ في نفس الأمر إلا أن حصول المعاني في النفوس بأي نوع كان حصولها لا يتصف من حصلت منه ومن كان موصوفا بها أنه نقص منه بقدر ما حصل عند المتعلم منه بل هو عنده كما هو عند من حصل له وإنما لما ظهر ذلك المعنى في محلين كأنه وقع فيه الاشتراك وفي المثال المحسوس ما يؤيد هذا وهو أخذ النور من السراج بالفتائل فتتقد به فتائل لا تتناهى ولا ينتقص منه شئ وإنما حصل ذلك باستعداد القابل أن يقبل واستعداد لمأخوذ منه أن لا يمتنع والسراج سراج على حاله وقد ملأ العالم سرجا كذلك العلم والتعلم فإذا كان المحسوس بهذه السعة وعلى هذه الحقيقة فما ظنك بالمعاني ثم لتعلم إن لنا أحكاما في حضرة الحق تضاف إليها بها من موالاة وعبادة وسؤال وغير ذلك مما لا يحصى كثرة إذا تتبع الإنسان أحوال نفسه مع ربه ولهذا وصف نفسه بأن له أسماء وأخلاقا وهي معلومة عند علماء الرسوم ألفاظها ومعانيها وعند أهل الله الاتصاف بها حتى أطلق عليهم منها
(٣٢٠)