آيات الله للعالمين (سورة آل عمران آية 35 - 44، سورة مريم آية 16، سورة الأنبياء آية 91، سورة التحريم آية 12).
ثم إن الله تعالى أرسل إليها الروح وهي محتجبة فتمثل لها بشرا سويا، وذكر لها أنه رسول من ربها ليهب لها بإذن الله ولدا من غير أب، وبشرها بما سيظهر من ولدها من المعجزات الباهرة، وأخبرها أن الله سيؤيده بروح القدس، ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل، ورسولا إلى بني إسرائيل ذا الآيات البينات، وأنبأها بشأنه وقصته ثم نفخ الروح فيها فحملت بها حمل المرأة بولدها (الآيات من آل عمران: 35 - 44).
ثم انتبذت مريم به مكانا قصيا، فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة، قالت: يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا، فناداها من تحتها أن لا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا، وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا، فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي: إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا، فأتت به قومها تحمله (سورة مريم: 20 - 27) وكان حمله ووضعه وكلامه وسائر شؤون وجوده من سنخ ما عند سائر الأفراد من الإنسان.
فلما رآها قومها - والحال هذه - ثاروا عليها بالطعنة واللوم بما يشهد به حال امرأة حملت ووضعت من غير بعل، وقالوا: يا مريم لقد جئت شيئا فريا، يا أخت هارون ما كان أبوك امرء سوء وما كانت أمك بغيا، فأشارت إليه، قالوا:
كيف نكلم من كان في المهد صبيا؟ قال: إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا، والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم ابعث حيا (سورة مريم آية 27 - 33) فكان هذا الكلام منه (عليه السلام) كبراعة الاستهلال بالنسبة إلى ما سينهض على البغي والظلم، وإحياء شريعة موسى (عليه السلام) وتقويمه، وتجديد ما اندرس من معارفه، وبيان ما اختلفوا فيه من آياته.
ثم نشأ عيسى (عليه السلام) وشب وكان هو وأمه على العادة الجارية في الحياة البشرية يأكلان ويشربان، وفيهما ما في سائر الناس من عوارض الوجود إلى آخر ما عاشا.
ثم إن عيسى (عليه السلام) أوتي الرسالة إلى بني إسرائيل فانبعث يدعوهم إلى دين التوحيد، ويقول: إني قد جئتكم بآية من ربكم أني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم، إن في ذلك لآية لكم، إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه.
وكان يدعوهم إلى شريعته الجديدة وهو تصديق شريعة موسى (عليه السلام)، إلا أنه نسخ بعض ما حرم في التوراة تشديدا على اليهود، وكان يقول:
إني قد جئتكم بالحكمة ولابين لكم بعض الذي تختلفون فيه، وكان يقول: يا بني إسرائيل