ومحصل ما قالوا به - وإن كان لا يرجع إلى محصل معقول -: أن الذات جوهر واحد له أقانيم ثلاث، والمراد بالأقنوم هو الصفة التي هي نحو ظهور الشئ وبروزه وتجليه لغيره، وليست الصفة غير الموصوف، والأقانيم الثلاث هي:
أقنوم الوجود، وأقنوم العلم وهو الكلمة، وأقنوم الحياة وهو الروح.
وهذه الأقانيم الثلاث هي: الأب والابن والروح القدس: والأول أقنوم الوجود، والثاني أقنوم العلم والكلمة، والثالث أقنوم الحياة، فالابن - وهو الكلمة وأقنوم العلم - نزل من عند أبيه وهو أقنوم الوجود بمصاحبة روح القدس وهو أقنوم الحياة التي بها يستنير الأشياء.
ثم اختلفوا في تفسير هذا الجمال اختلافا عظيما أوجب تشتتهم وانشعابهم شعبا ومذاهب كثيرة تجاوز السبعين، وسيأتيك نبأها على قدر ما يلائم حال هذا الكتاب.
إذا تأملت ما قدمناه عرفت: أن ما يحكيه القرآن عنهم، أو ينسبه إليهم - بقوله: * (وقالت النصارى المسيح ابن الله...) * الآية وقوله: * (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح بن مريم...) * وقوله: * (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة...) * وقوله: * (ولا تقولوا ثلاثة انتهوا...) * - كل ذلك يرجع إلى معنى واحد وهو تثليث الوحدة هو المشترك بين جميع المذاهب المستحدثة في النصرانية، وهو الذي قدمناه في معنى تثليث الوحدة. وإنما اقتصر فيه على هذا المعنى المشترك لأن الذي يرد على أقوالهم في خصوص المسيح (عليه السلام) على كثرتها وتشتتها مما يحتج به القرآن أمر واحد يرد على وتيرة واحدة كما سيتضح (1).