خلقه فمن أراد أن يرى رسول الله ص ممن لم يدركه من أمته فلينظر إلى القرآن فإذا نظر فيه فلا فرق بين النظر إليه وبين النظر إلى رسول الله ص فكان القرآن انتشأ صورة جسدية يقال لها محمد بن عبد الله بن عبد المطلب والقرآن كلام الله وهو صفته فكان محمد صفة الحق تعالى بجملته فمن يطع الرسول فقد أطاع الله لأنه لا ينطق عن الهوى فهو لسان حق فكان ص ينشئ في ليل هيكله وظلمة طبيعته بما وفقه الله إليه من العمل الصالح الذي شرعه له صورا عملية ليلية لكون الليل محل التجلي الإلهي الزماني من اسمه الدهر تعالى يستعين بالحق لتجليه في إنشائها على الشهود وهو قوله تعالى إن قرآن الفجر كان مشهودا ولم تكن هذه الصور إلا الصلاة بالليل دون سائر الأعمال وإنما قلنا بالاستعانة لقوله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي وقوله واستعينوا بالله ولا يطلب العون إلا من له نوع تعمل في العمل وهو قوله وإياك نستعين فكن أنت يا وارثه هو المراد بهذا الخطاب في هذا العمل فيكون محمد ص ما فقد من الدار الدنيا لأنه صورة القرآن العظيم فمن كان خلقه القرآن من ورثته وأنشأ صورة الأعمال في ليل طبيعته فقد بعث محمدا ص من قبره فحياة رسول الله ص بعد موته حياة سنته ومن أحياه فكأنما أحيا الناس جميعا فإنه المجموع الأتم والبرنامج الأكمل ولهذا قال في ناشئة الليل إنها أقوم قيلا ولا أقوم قيلا من القرآن وكذلك أشد وطأ أي أعظم تمهيدا لأنه قال ما فرطنا في الكتاب من شئ وليس إلا القرآن الجامع وأشد ثباتا فإنه لا ينسخ كما نسخت سائر الكتب قبله به وإن ثبت ما ثبت منها مما ورد في القرآن ولهذا جاء بلفظ المفاضلة في الثبوت فهو أشد ثبوتا منها لاتصاله بالقيامة وفيه ما في الكتب وما ليس في الكتب كما كان في محمد ص ما كان في كل نبي وكان فيه ما لم يكن في نبي لأن القرآن كان خلقه فأعطى هو وأمته ما لم يعط نبي قبله فإذا أنشأ من أنشأ صورة هذه الأعمال الليلية ونفخ الحق لشهوده من كونه معينا له أرواحها فيها قامت حية ناطقة عن أصل كريم الطرفين بين عبد متحقق بعبوديته موف حق سيده لم يلتفت إلى نفسه ولا إلى صورة ما خلقه الله عليها التي توجب له الكبرياء بل كان عبدا محضا مع هذه المنزلة ولهذا قدم إياك نعبد فإنه ما قبل الصورة إلا في ثان حال فقال بذاته إياك نعبد وقال بالصورة وإياك نستعين ثم رجع فقال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين فجمع بين الأمرين وبين رب عظيم وفاه حقه على قدر ما شرعه له لا يطالب بغير ذلك فإنه تعالى هو الذي أدبه أي جمع له وفيه جميع فوائد الخيرات فلما نشأت هذه الصورة العملية الليلية بين هذين الطرفين الكريمين كانت وسطا جامعة للطرفين فكانت عبدا سيدا حقا خلقا وبهذه الصفة أنشأ الله العالم ابتداء فإن له في أسمائه ونعوته الطرفين فإنه وصف نفسه بما يتعالى به عن الخلق ووصف نفسه بما هو عليه الخلق ولم يزل بهذين النعتين موصوفا لنفسه وهما طرفا نقيض فجمع بين الضدين ولولا ما هو الأمر على هذا ما خلق الضدين في العالم والمثلان ضدان فهما ضدا المماثلة حتى تعلم أن العالم على صورته في قبول الضدين بل هو العالم الذي هو عين الضدين صورة من أنشأه فظهر العالم بالأصالة بين الطرفين ومشى الأمر في خلق ما خلق الله بأيدي العالم فللعالم إنشاء الصور وللحق أرواحها وحياتها كما قال في حق عيسى ع وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير في الصورة الخلقية فيكون طائرا بإذن الله فجعل الصورة للخلق وكونه طائرا للحق وفي إنشائك قال فإذا سويته هو مثل تخلق من الطين كهيئة الطير ثم قال ونفخت فيه من روحي وهو قوله فيكون طائرا بإذني فمن كان مع الحق في مقام الشهود والجمع عند إنشاء العبد صور الأعمال قامت حية ناطقة وإن أنشأها على غير هذا النعت من الجمع والشهود كانت صورا بلا أرواح كصور المصورين الذين يقول الله لهم يوم القيامة أحيوا ما خلقتم فلا يستطيعون لأن الأحياء ليس لهم وإنما هو لله وأعني بالإحياء الأحياء الذي تقع به الفائدة من الحي فإن الطبيعة تعطي حياة في الصورة ولكن حياة لا فائدة معها وهي الحياة التي توجد في المعفنات فليس في قوة الطبيعة أكثر من وجود الإحساس لا غير وأما القوي الروحانية التي عنها تكون الصنائع العملية بالتفكر فمن الروح الإلهي فمن علم مراتب الأرواح يعلم ما أومأنا إليه في هذه العجالة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
(٦١)