ملتذا وإن ذوقك الحسرة لما يفوتك هنا تجدها وفي القيامة وأما في الجنة فيذهب الله بها عنك ولكن تعلم من هو أعلى منك قدر ما فاتك وترزق أنت القناعة بحالك وما أنت فيه والرضاء فلا أدنى همة ممن يعلم أن هناك مثل هذا ولا يرغب في تحصيل العالي من الدرجات هذا رسول الله ص قد سأل أمته أن يسألوا الله له في الوسيلة طلبا للأعلى لعلو همته ألا تراه عند موته ص كيف قال لما خير الرفيق الأعلى فقيده بالأعلى وإن علم المحروم في الجنة ما فاته فلا يكترث له لعدم ذوقه وكل من تعلقت همته في الدنيا بطلب الأعلى ولم يحصل ذلك ذوقا في الدنيا ولا كشف له فيه فإنه يوم القيامة يناله ولا بدو يكون فيه كالذائق له هنا لا فرق وما بين الشخصين إلا ما عجل له هنا من ذلك فالمحروم كل المحروم من لا يعلق همته هنا بتحصيل المعالي من الأمور ولكن لا بد مع التمني من بذل المجهود وأما إن تمنى مع الكسل والتثبط فما هو ذلك الذي أشرنا إليه حضرة الهدى والهدى * تركت أمرنا سدى * قالت الأمر كله * لآله تفردا ليس المجد عزة * وامتناعا وسؤددا * بوجودي من جوده * في وجودي توحدا وبعيني وكونه * قد بدا منه ما بدا * فبه كنت لم أكن * بكياني موحدا فإذا ما تمجدا * فبكوني تمجدا فإنه لا يحمد ولا يمجد إلا بأسمائه ولا تعقل مدلولات أسمائه إلا بنا فلو زلنا نحن ذهنا ووجودا لما كان ثم ثناء ولا مثن ولا مثنى عليه فبي وبه كان الأمر وكمل ومع هذا فهو غني عن العالمين إذا لم يطلب كمال الأمر فهو الكامل لنفسه وعينه وكونه لأنه واجب الوجود لنفسه لا تعلق له بالعالم لذاته وإنما كان التعلق من حيث أعيان الممكنات لأنها تطلب نسبا تظهر بها عينها وما ثم موجود تستند إليه هذه النسب إلا واحد وهو الله الواجب الوجود لنفسه تعالى فافتقرت إليه إضافات النسب وافتقرت الممكنات إلى النسب فافتقرت إليه فهي أشد فقرا من النسب فصح غناه عن العالم لذاته وعينه ولذلك تقول في التقسيم العقلي إن الوجود طلب الكمال والمعرفة طلبت الكمال ولم تجد من بيده مطلوبها إلا الحق سبحانه فافتقرت إليه في ذلك فأوجد الحادث الذي هو عين الممكن فكمل الوجود أي كمل أقسام الوجود في العقل وكذلك تعرف إلى العالم فعرفوه بمعرفة حادثة فكملت المعرفة به في التقسيم العقلي وكل معرفة وعلم بقدر العالم والعارف إلا أنه في الجملة لم يبق كمال إلا ظهر فيه بإحسان الله ورحمته بالسائل في ذلك ولما ظهر العالم من البر الرحيم لم يعرف غير الإحسان والرحمة فهو على صورة الإحسان والرحمة فهو مفطور على أن لا يكون منه إلا إحسان ورحمة ولكن بقي متعلقها فيرحم ويحسن لنفسه أولا ولا يبالي كان في ذلك إحسان للغير أو لم يكن فإن الأصل على هذا خرج حيث أحب أن يعرف فخلق الخلق فتعرف إليهم فعرفوه وقد علم إن منهم من يتألم ولكن ما راعى إلا العلم به لا من يتألم منهم فالنعيم وجود والعذاب فقد ذلك النعيم لا أنه أمر وجودي فالعالم كله بر رحيم بنفسه لا بد من ذلك فإنه من الجود صدر ليس في العالم إلا * من هو البر الرحيم * فإذا ما كنت * عبدا فنعيمه المقيم وإذا ما كنت ربا * فعذابه الأليم * وصراطي بين هذين * صراط مستقيم ذاك هدى الأنبياء * وهدى الله القويم * فنعيمه وجود * وعذابه عديم فانظروا فيما ذكرنا * فهو العليم الحكيم فالهدى التبياني ابتلاء وهو قوله تعالى وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون وقوله ص ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل وقوله تعالى وأضله الله على علم والهدى التوفيقي وهو الذي يعطي السعادة لمن قام به وهو قوله إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وقوله ليس عليك هداهم وهذا هو هدى الأنبياء فالهدى التوفيقي هدى الأنبياء ع فبهديهم اقتده وهو الذي يعطي سعادة العباد وما توفيقي إلا بالله والهدى بمعنى البيان قد يعطي السعادة وقد لا يعطيها إلا أنه يعطي العلم ولا بد فاعلم ذلك والله يقول
(٣١٤)