المأمورون بأن يمتاز وأو ليس إلا أهل النار الذين هم أهلها وهم المشركون لا عن نظر فيكون أخذهم بالعفو في الزمان لأن زمان العقاب محصور فإذا ارتفع بقي عليهم حكم الزمان الذي لا نهاية لأبده فزمان عذابهم قليل بالإضافة إلى حكم الزمان الذي يؤول إليه أمرهم فهو عفو عز وجل بما يعطي من قليل العذاب وهو عفو بما يعطي من كثير المغفرة والتجاوز فإنه عز وجل قد أمرنا بالعفو والتجاوز والصفح عمن أساء إلينا وهو أولى بهذه الصفة منا ولذلك كان أجر العافين على الله لكونه عفوا غفورا وما قرن مغفرته حين أطلقها بتوبة ولا عمل صالح بل قال يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم فبالغ وما خص إسرافا من إسراف ولا دارا من دار فلا بد من شمول الرحمة والمغفرة على من أسرف على نفسه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الرؤوف حضرة الرأفة) رؤوف رحيم لا يكون مؤاخذا * عبيدا أتاه راجيا متلهفا من أجل ذنوب قد أتاها بغفلة * ولو كانت الأخرى أتى متكلفا فإن شئت عفوا لا تؤاخذه إنه * أتى مستجيرا سائلا متكففا وما جاء إلا من غنى سؤاله * لذاك يراه سائلا متلطفا فيقنع منا باليسير لفقرنا * فنثرى له من كونه متعففا هي لعبد الرؤوف وصف الحق عبده محمدا ص بأنه بالمؤمنين رؤوف رحيم فقيده بالإيمان ولم يقيد الايمان فهذا تقييد في إطلاق فإنه قال في الايمان إنه مؤمن صاحبه بالحق والباطل وهو قوله يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله وذكر ما ذكر فسماهم مؤمنين وما كانوا مؤمنين إلا بالباطل فأمرهم أن يؤمنوا بالله وهو الحق ورسوله والكتاب الذي أنزل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل فدل على أنه ما خاطب أهل الكتاب فقط فإنه أمرهم بالإيمان بالكتاب الذي أنزل من قبل ولا شك أنهم به مؤمنون أعني علماء أهل الكتاب ثم قيد الكفر هنا ولم يقيد الايمان فقال ومن يكفر بالله فقيد في الذكر ما أمر به عبده أن يؤمن به وما تعرض في الذكر للكفر المطلق كما أطلق الايمان ونعتهم به في قوله يا أيها الذين آمنوا وما كانوا مؤمنين إلا بالباطل فإن المؤمن بالله لا يقال له آمن بالله فإنه به مؤمن وإن احتمل أن يؤمن به لقول هذا الرسول الخاص على طريق القربة ولكن التحقيق في ذلك ما ذهبنا إليه ولا سيما والحق قد أطلق اسم الايمان على من آمن بالباطل واسم الكفر على من كفر بالطاغوت واعلم أن الرأفة من القلوب مثل جبذ وجذب كذلك رأف ورفأ وهو من الإصلاح والالتئام فالرأفة التئام الرحمة بالعباد ولذلك نهي عنها في إقامة الحدود لا كل الحدود وإنما ذلك في حد الزاني والزانية إذا كانا بكرين إلا عند من يرى الجمع بين الحدين على الثيب وأكثر العلماء على خلاف هذا القول وليس المقصود إلا قوله ولا تأخذكم يعني ولاة الأمر بهما رأفة في دين الله ودين الله جزاؤه ثم قال إن كنتم تؤمنون بالله فحص لأنه ثم من يؤمن بالباطل واليوم الآخر يقول إقامة الله حدوده في اليوم الآخر كأنه يقول لولاة الأمر طهروا عبادي في الدنيا قبل أن يفضحوا على رؤس الأشهاد ولذلك قال في هؤلاء وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ينبه أن أخذهم في الآخرة على رؤس الأشهاد فتعظم الفضيحة فإقامة الحدود في الدنيا أستر فأمر الوالي بإقامة الحد نكالا من الزاني كما هو نكال في حق السارق وبين ذلك فطهارته كما قال وطهر بيتي للطائفين والعاكفين كذلك إقامة الحد إذا لم يكن نكالا فإنه طهارة وإن كان نكالا فلا بد فيه من معقول الطهارة لأنه يسقط عنه في الآخرة بقدر ما أخذ به في الدنيا فسقط عن الزاني النكال وما سقط عن السارق فإن السارق قطعت يده وبقي مقيدا بما سرق لأنه مال الغير فقطع يده زجر وردع لما يستقبل وبقي حق الغير عليه فلذلك جعله نكالا والنكل القيد فما زال من القيد مع قطع يده وما تعرض في حد الزاني إلى شئ من ذلك وقد ورد
(٣٠٤)