يا بانيا عقده على الدليل لقد * جهلت أين أساس القصد يا باني من كان ذا صفة فأين وحدته * المنزل القاصي ليس المنزل الداني من الذي هو قاص في دلالتنا * وقد أتيت على هذا بسلطان الشرع توحيده توحيد مرتبة * والحق يعضده من جانب ثاني قال الله تعالى لا تدركه الأبصار يعني من كل عين من أعين الوجوه وأعين القلوب فإن القلوب ما ترى إلا بالبصر وأعين الوجوه لا ترى إلا بالبصر فالبصر حيث كان به يقع الإدراك فيسمى البصر في العقل عين البصيرة ويسمى في الظاهر بصر العين والعين في الظاهر محل للبصر والبصيرة في الباطن محل للعين الذي هو بصر في عين الوجه فاختلف الاسم عليه وما اختلف هو في نفسه فكما لا تدركه العيون بأبصارها كذلك لا تدركه البصائر بأعينها ورد في الخبر عن رسول الله ص أن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار وإن الملأ الأعلى يطلبونه كما تطلبونه أنتم فاشتركنا في الطلب مع الملأ الأعلى واختلفنا في الكيفية فمنا من يطلبه بفكره والملأ الأعلى له العقل وما له الفكر ومنا من يطلبه به وليس في الملأ الأعلى من يطلبه به لأن الكامل منا هو على الصورة الإلهية التي خلقه الله عليها وليس الملك عليها فلهذا صح ممن هذه صفته أن يطلب الله به ومن طلبه به وصل إليه فإنه لم يصل إليه غيره وإن الكامل منا له نافلة تزيد على فرائضه إذا تقرب العبد بها إلى ربه أحبه فإذا أحبه كان سمعه وبصره فإذا كان الحق بصر مثل هذا العبد رآه وأدركه ببصره لأن بصره الحق فما أدركه إلا به لا بنفسه وما ثم ملك يتقرب إلى الله بنافلة بل هم في الفرائض ففرائضهم قد استغرقت أنفاسهم فلا نفل عندهم فليس لهم مقام ينتج لهم أن يكون الحق بصرهم حتى يدركوه به فهم عبيد اضطرار ونحن عبيد اضطرار من فرائضنا وعبيد اختيار من نوافلنا كما هو رب ذاتي من وجودنا ورب مشيئة من حكمه فينا فالربوبية الذاتية ضرورية لا يمكن رفعها وربوبية المشيئة عينها الإمكان في الممكنات فيرجح بها ما شاء فمن لا مشيئة له لا ترجيح له كمن لا نافلة له لا يكون الحق بصره وإن أمكن خلاف هذا عقلا ولكن كلامنا في الواقع الذي أعطاه الكشف ما كلامنا في الجواز العقلي لأنه يستحيل عندنا أن ينسب الجوار إلى الله حتى يقال يجوز أن يغفر الله لك ويجوز أن لا يغفر الله لك ويجوز أن يخلق ويجوز أن لا يخلق هذا على الله محال لأنه عين الافتقار إلى المرجح لوقوع أحد الجائزين وما ثم إلا الله وأصحاب هذا المذهب قد افتقروا إلى ما التزموه من هذا الحكم إلى إثبات الإرادة حتى يكون الحق يرجح بها ولا خفاء بما في هذا المذهب من الغلط فإنه يرجع الحق محكوما عليه بما هو زائد على ذاته وهو عين ذات أخرى وإن لم يقل فيها صاحب هذا المذهب إن تلك الذات الزائدة عين الحق ولا غير عينه فالذي نقول به إن هذه العين المخلوقة من كونها ممكنة تقبل الوجود وتقبل العدم فجائز إن تخلق فتوجد وجائز أن لا تخلق فلا توجد فإذا وجدت فبالمرجح وهو الله وإذا لم توجد فبالمرجح وهو الله يستقيم الكلام ويكون الأدب مع الله أتم بل هو الواجب أن يكون الأمر كما قلنا وأما احتجاجهم بقوله لو شاء الله ولو أراد الله فهو عليهم هذا الاحتجاج لا لهم لزومية إن لو حرف امتناع لامتناع وبلا حرف امتناع لوجود فانظروا وجوبه واعتبروا * وهو نفي أن ذا سر عجيب مثل من يدعو وما ثم لمن * فهو يدعو نفسه ثم يجيب وبهذا ورد النص إلى * كل ذي عقل سليم ونجيب ولقد كان على مثل الذي * جاءه يطوف دهرا ويجوب مثل ذا زرت فتى من هاشم * أصله ما بين لخم وتجيب واستجيبوا للذي أسمعكم * إنه المحروم من لا يستجيب فاعلم إن الإمكان للممكن هو حكم الذي أظهر الاختيار في المرجح والذي عند المرجح أمر واحد وهو أحد الأمرين
(٣٠)