يحمدها ثم بشرهم تعالى بأنهم الوارثون الذين يرثون الفردوس وهو أوسط الجنات فقال هم فيها خالدون يبشرهم بالبقاء والدوام في النعيم وأخبرهم في التوقيع أنه عنهم راض تعالى وتقدس جلاله ثم إنه ناب عنهم في الخطاب بأنهم عنه راضون فقال تعالى رضي الله عنهم ورضوا عنه وهنا نكتة لمن فهم ما تدل عليه ألفاظ القرآن من الرضي فقطع عليهم بذلك لعلمه بأنه واقع منهم ثم إنه أنزل في الكتب والصحف وعلى السنة الخلفاء صلوات الله عليهم وسلامه من الوعيد والتهديد وأخذ من كفر بالله ونافق أو آمن ببعض وكفر ببعض مما أنزله الله وجحد وأشرك وكذب وظلم واعتدى وأساء وخالف وعصى وأعرض وفسق وتولى وأدبر وأخبر في التوقيع أنه من كان بهذه المثابة وقامت به هذه الصفات في الحياة الدنيا أو بعضها ثم تاب إلى الله منها في الدنيا ومات على توبة من ذلك كله فإنه يلقي ربه وهو راض عنه فإن فسح له وأنسا الله في أجله بعد توبته فعمل عملا صالحا بدل الله سيئاته حسنات أي ما كان يتصرف به من السوء عاد يتصرف فيه حسنا فبدل الله فعله بما وفقه إليه من طاعته ورحمه وغفر له جميع ما كان وقع منه قبل ذلك ولم يؤاخذه بشئ منه وما زالت التوقيعات الإلهية تنزل من الله على خلفائه بما يعدهم الله به من آمن بالله ورسله من الخير وما توعد به لمن كفر به من الشر مدة إقامة ذلك الخليفة المنزل عليه وهو الرسول إلى حين موته فمن زمان خلافته إلى انتهاء مدة عمره لا تزال التوقيعات الإلهية تنزل عليه فإذا مات واستخلف من شاء بوحي من الله له في ذلك أو ترك الأمر شورى بين أصحابه فيولون من يجمعون عليه إلى أن يبعث الله من عنده رسولا فيقيم فيهم خليفة آخر إلا إذا كان خاتم الخلفاء فإن الله يقيم نوابا عنه فيكونون خلفاء الخليفة من عند الله لا إنهم في منزلة الرسل خلفاء من عند الله وهم الأقطاب وأمراء المؤمنين إلى يوم القيامة فمن هؤلاء النواب من يكشف الله عنه الغطاء فيكون من أهل العين والشهود فيدعو إلى الله على بصيرة كما دعا الرسول ع ولولا إن الزمان قد اقتضى أن لا يكون مشرع بعد رسول الله ص لكان هؤلاء مشرعين وإن لم يأتوا إلا بشرع رسول الله ص فإنهم كانوا يكونون فيه كما كان رسول الله ص في شرع من قبله إذا حكم به في أمته فهو فيه بمنزلة الأول الذي كان قبله لا أنه خليفة عنه في ذلك وإن قرره فلما منع الله ذلك في هذه الأمة علمنا أنهم خلفاء رسول الله ص وإن دعوا إلى الله على بصيرة كما دعا رسول الله ص كما ورد في القرآن العزيز عنه في قوله أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسمانا ورثة وأخبر ص أنه ما ورثنا إلا العلم ثم إن دعاءه ص في إن يمتعه الله بسمعه ليسمع كلام الله وبصره ليرى آيات الله في الآفاق وفي نفسه ثم قال واجعل ذلك الوارث منا يعني السمع والبصر فإن الله هو خير الوارثين وقد قال تعالى في الخبر الصحيح عنه كنت سمعه وبصره فهوية الحق إذا كانت سمع العبد وبصره كان الحق الوارث منه الذي هو عين سمعه وبصره فدعا بهذه الصفة أن تكون له حتى يقبض عليها فكأنه يقول اللهم متعنا بك فأنت سمعنا وبصرنا وأنت ترثنا إذا متنا فإنك أخبرت إنك خير الوارثين وإنك ترث الأرض ومن عليها أي أنت الخير الذي يرثه الوارثون من خلفائهم وهم متبعوا الرسل صلوات الله عليهم فهو تعالى الخير الذي يناله الوارثون كما أنه خير الوارثين من حيث إنه وارث وهكذا الإشارة في كل خير منسوب مضاف مثل خير الصابرين والشاكرين ومثل هذا مما ورد عن الله في أي شرع ورد ومن التوقيعات الإلهية أيضا المبشرات وهي جزء من أجزاء النبوة فأما أن تكون من الله إليه أو من الله على يدي بعض عباده إليه وهي الرؤيا يراها الرجل المسلم أو ترى له فإن جاءته من الله في رؤياه على يدي رسوله ص فإن كان حكما تعبد نفسه به ولا بد بشرط أن يرى الرسول ص على الصورة الجسدية التي كان عليها في الدنيا كما نقل إليه من الوجه الذي صح عنده حتى أنه إن رأى رسول الله ص يراه مكسور الثنية العلياء فإن لم يره بهذا الأثر فما هو ذاك وإن تحقق أنه رسول الله ص ورآه شيخا أو شابا مغايرا للصورة التي كان عليها في الدنيا ومات عليها ورآه في حسن أزيد مما وصف له أو قبح صورة أو يرى الرائي إساءة أدب من نفسه معه فذلك كله الحق الذي جاء به رسول الله ص ما هو رسول الله فيكون ما رآه هذا الرائي عين الشرع إما في البقعة التي يراه فيها وإما أن يرجع ما يراه
(٢٧)