من يفهم الأمر فذاك الذي * خاطبه الرحمن من كل عين وهو الذي دار عليه الورى * وهو الذي في حكمه كل أين إن إياسا خص من بأقل * لما حوته حكمة القبضتين قد أوضح الله لنا حكمه * في كل ما في الكون من فرقتين والضد لا يعرفه ضده * والحق معلوم لنا دون مين قد ثبت المثل له وانتفى * عني ذاك المثل من بعد بين قال الله تعالى وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه اعلم أن الكلام على قسمين كلام في مواد تسمى حروفا وهو على قسمين إما مرقومة أعني الحروف وتسمى كتابا أو متلفظا بها وتسمى قولا وكلاما والنوع الثاني كلام ليس في مواد فذاك الكلام الذي لا يكون في مواد يعلم ولا يقال فيه يفهم فيتعلق به العلم من السامع الذي لا يسمع بآلة بل يسمع بحق مجرد عن الآلة كما إذا كان الكلام في غير مادة فلا يسمع إلا بما يناسبه والذي في المادة يتعلق به الفهم وهو تعلق خاص في العلم فإذا علم السامع اللفظة من اللافظ بها أو يرى الكتابة فإن علم مراد المتكلم في تلك الكلمة مع تضمنها في الاصطلاح معاني كثيرة خلاف مراد المتكلم بها فذلك الفهم وإن لم يعلم مراد المتكلم من تلك الكلمة على التفصيل واحتمل عنده فيها وجوه كثيرة مما تدل عليه تلك الكلمة ولا يعلم على التعيين مراد المتكلم من تلك الوجوه ولأهل أرادها كلها أو أراد وجها واحدا أو ما كان فمع هذا العلم بمدلول تلك الكلمة لا يقال فيه إنه أعطى الفهم فيها وإنما أعطى العلم بمدلولاتها كلها لعلمه بالاصطلاح لأن المتكلم بها عند السامع الغالب عليه أمران الواحد القصور عن معرفة مدلولات تلك الكلمة في اللسان والأمر الآخر أنه وإن عرف جميع مدلولاتها فإنه لا يتكلم بها إلا لمعنى تقتضيه قرينة الحال فالذي يفهم مراده بها فذلك الذي أوتي الفهم فيها ومن لم يعلم ذلك فما فهم فكان المتكلم ما أوصل إليه شيئا في كلامه ذلك وأما كلام الله إذا نزل بلسان قوم فاختلف أهل ذلك اللسان في الفهم عن الله ما أراده بتلك الكلمة أو الكلمات مع اختلاف مدلولاتها فكل واحد منهم وإن اختلفوا فقد فهم عن الله ما أراده فإنه عالم بجميع الوجوه تعالى وما من وجه إلا وهو مقصود لله تعالى بالنسبة إلى هذا الشخص المعين ما لم يخرج من اللسان فإن خرج من اللسان فلا فهم ولا علم وكذلك أصحاب الأخذ بالإشارات فإن إدراكهم لذلك في باب الإشارات في كلام الله تعالى خاصة فهم فيه لأنه مقصود لله تعالى في حق هذا المشار إليه بذلك الكلام وكلام المخلوق ما له هذه المنزلة فمن أوتي الفهم عن الله من كل وجه فقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب وهو تفصيل الوجوه والمرادات في تلك الكلمة ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فكثره لما فيها من الوجوه فمن كان قلبه في كن أو كان عليه قفل أو كان أعمى البصيرة أو كان صاديا أو كان على قلبه ران فإن الله قد حال بينه وبين الفهم عن الله تعالى وإن تأوله ولهذا يتخذ آيات الله هزوا ودينه لهوا ولعبا لعدم فهمه عن الله ما خاطب به عباده فلهذا قال من لم يفهم لم يوصل إليه شئ فأما الران فهو صدأ وطخا وليس إلا ما تجلى في مرآة القلب من صور ما لم يدع الله إلى رؤيتها وجلاؤها من ذلك بالذكر والتلاوة وأما الكن فهو كالمقصورات في الخيام فهو في بيت الطبيعة مشغول بأمه ما عنده خبر بأبيه الذي هو روح الله فلا يزال في ظلمة الكن وهي حجاب الطبيعة فهو في حجابين كن وظلمة فهو يسمع ولا يفهم كما قال الله فيهم ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون أي لا يفهمون وأما أن يكون في أذنيه وقر أو صمم فإن كان وقر فهو ثقل الأسباب الدنياوية التي تصرفه عن الآخرة وإن كان طخأ فهو قساوة قلبه إن يؤثر فيه قبول ما يخطر له حديث النفس من النظر والإصغاء إلى هذا الداعي الذي هو الشارع وهو قوله تعالى وألغوا فيه لعلكم تغلبون حتى لا يسمعوا دعاء فلا يرجعون ولا يعقلون لأنه بلسانهم خاطبهم صم بكم عمي فهم لا يرجعون صم بكم عمي فهم لا يعقلون فأصمهم الله وأعمى أبصارهم وختم على ألسنتهم فما تلفظوا بما دعاهم إليه أن يتلفظوا به وأما القفل فهو لأهل الاعتذار يوم القيامة يقولون نحن ما قفلنا على قلوبنا وإنما وجدناها مقفلا عليها وهذا من الجدال الذي قال الله عنهم فيه
(٢٥)