عجبا فيه وفي رؤيته * ما لعبد فيه إلا ما نواه بذل المجهود كي يبصره * وأبي ذلك في الحق عماه لو دري الإنسان من غيرته * إنه حقا على هذا بناه يدعى صاحبها عبد الصاحب قال رسول الله ص في دعائه ربه أنت الصاحب في السفر وقال تعالى مصدقا له فيما سماه به من الصاحب وهو معكم أينما كنتم فهو الصاحب على كل حال مع العبد في أينيته فهو الله في السماء * وفي الأرض يحكم * وإذا كان هكذا * فاحذروا منه واعلموا أنه عالم بكم * عادل ليس يظلم وذلك أن الله تعالى حد حدود العبادة عقلية وشرعية معللة وغير معللة فما عقلت علته منها سميناها عقلية وما لم تعقل علته سميناها تعبد أو عبادة شرعية فهو مع عباده المكلفين يحفظ عليهم أنفاسهم في حدوده وهو مع من ليس بمكلف ينظر ما يفعل معه المكلفون بأن لا يتعدوا حدوده فهو مع كل شئ بهذه المثابة في الدنيا وأما في الآخرة فما هو معهم إلا لحفظ أنفاسهم ولما يوجده فيهم فإنهم محل الانفعال لما يريد إيجاده فلا يزال يوجد له تعالى ولهم فله من حيث ما يسبحه الموجود بحمده في شيئية وجوده فإنها النعمة الكبرى فتسبيحه الحمد لله المنعم المفضل وأما كونه يوجد لهم فلما يحصل لهم من المنفعة بسبب ذلك الموجود وما يليق به فيعود نفعه عليهم ويعود تسبيحه عليه تعالى هكذا دائما ثم إن العالم لا يزال مسافرا أبدا فالله صاحبه أبدا فهو بعينه يسافر من حال إلى حال ومن مقام إلى مقام والحق معه صاحبه وللحق الشؤون كما قال تعالى كل يوم هو في شأن فالحق أيضا له من شأن إلى شأن فشؤون الحق هي أحوال المسافرين يجدد خلقها لهم في كل يوم زمان فرد فلا يتمكن للعالم استقرار على حال واحدة وشأن واحد لأنها أعراض والأعراض لا تبقي زمانين مطلقا فلا وجود لها إلا زمان وجودها خاصة ثم يعقبها في الزمان الذي يلي زمان وجودها الأمثال أو الأضداد فأعيان الجواهر على هذا لا تخلو عن أحوال ولا خالق لها إلا الله فالحق في شؤون أبدا فإنه لكل عين حال فللحق شؤون ولنا أحوال فالصحبة دائمة غير منقطعة وشؤون حاكمة إلى غير نهاية ولا بلوع غاية وذلك من المرتبة التي صح لنا فيها أولية الظهور ثم استمر السير وتمادى السفر والانتقال من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان ومن مكانة إلى مكانة لكل موجود من العالم فلنعين من ذلك ما يختص بهذا النوع الإنساني فأوجده بكله ظاهر صورته وباطنها أجزاء العالم فظهر بعينه في كونه بعد أن كان يدور في أطوار العالم من عالم الأفلاك والأركان ولكن مختلف الأحوال مفترق الأجزاء غير معين بهذا الشئ الخاص فالتأمت أجزاؤه والحق صاحبه في كل حال من أحوال تنقلاته وكيف لا يصحبه وهو خالق تلك الأحوال التي ينقله فيها والأطوار فأظهر عينه مجموعا لم يبق منه شيئا في غير ذاته ثم جعل ما جعل فيه يستحيل من صورة إلى صورة وهو أيضا سفر ويمده بمثل ما زال عنه وسافر أو بضده لتبقى عين جمعيته فصار الإنسان منزلا من منازل الوجود يسافر منه ويسافر إليه وليس لكل مسافر إليه إذا وصل ونزل به سوى جائزته ليلة واحدة وهي الزمن الفرد ويرحل ولا يرد عليه حال من الأحوال إلا والحق صاحب لذلك الوارد فيتعين على هذا المحل الذي هو الإنسان في كل نفس عند ورود كل حال كرامتان كرامة وضيافة لذلك الوارد بحسب مكانته من ربه وما تعطيه حقيقته والإنسان قادر على إجازته والقيام بحرمته وكرامته وضيافته ولسرعة ارتحاله تكون المسارعة إلى أداء جائزته والكرامة الأخرى المتعينة عليه كرامة صاحبه الواصل معه وهو الله الصاحب في السفر فينظر بأي اسم إلهي وصل فذلك الاسم الإلهي هو صاحبه فينظر ما يستحقه ذلك الاسم الإلهي من الجلال والتعظيم والتمجيد والتحميد فيكرمه ويضيفه بها فتلك كرامته ويبادر إلى ذلك في الزمان الواحد لأن الإنسان مجموع والرحلة سريعة فيعين لكل واحد أعني للحال الوارد وللصاحب معه وهو الاسم الإلهي الذي يحفظه من نفسه ما يستحق أن يقوم بما يتعين للحق عليه من الكرامة ويعين من نفسه أيضا حقيقة أخرى مناسبة للوارد تقوم بخدمته إلى أن يرحل عنه فالإنسان منزل ومناخ للمسافرين من الأحوال وهو في نفسه مسافر أيضا فله مع الله صحبة دائمة لسفره وله تلقى كل وارد
(٢٦٧)