يدعى صاحبها عبد المسعر وهي تحكم على حضرة الأرزاق التي تتملك ويدخلها البيع والشراء فتعين هذه الحضرة مقادير أثمانها التي هي عوض منها ولا يعلم قدر ذلك إلا الله فإنها من باب حضرة ضرب الأمثال لله وقد نهينا عن ذلك فقال فلا تضربوا لله الأمثال وهو يضرب الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون قيل لرسول الله ص سعر لنا فقال ص إن الله هو المسعر وأرجو أن ألقى الله وليس لأحد منكم على طلبة فإن الوزن بين الشيئين بالقيمة مجهول لا يتحقق فما بقي إلا المراضاة بين البائع والمشتري ما لم يجهل أمر السوق بالوقت والزمان وأحوال الناس في ذلك فإن الأحكام والأسعار تختلف باختلاف الأوقات لما يختلف من الأحوال بسلطان الأوقات فكل وقت له حال يعينه * وكل حال له حكم وترتيب وليس يعرفه إلا موقته * وليس ينفع في التسعير تهذيب ولما قال رسول الله ص إن الله هو المسعر علمنا أنه يغلي ويرخص سوقه متبذل * فهو المسعر حكمه ما يقرر وهو الكبير فكونه متكبرا * من مثل هذا فالمقام يحير لو لم يكن هذا لكان بحكمنا * وبحكمنا هذا ألا تتبصروا ما حكمة تعنو الوجوه لعينها * هذا الذي جئنا به فتفكروا فأخبرا به السنة العالم في أثمان الأشياء التي تدخل في حكم البيع والشراء فمن سام فليعرف من يسم ولا تسم على سوم أخيك ولا تبع على بيعه كما نهيت أن تخطب على خطبته لأن الخطبة من باب الشراء والبيع لأنها شرا استمتاع بعضو وبيعه فلهذا لا بد من الصداق وهو القيمة والثمن والعوض فالبيع والشراء معاوضة فله البيع والشراء جميعا * وبه ينطقان لو عقلوه حكم الكشف والدليل بهذا * وإلينا عن رسله عقلوه إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم فوقع البيع بين الله وبين المؤمن من كونه ذا نفس حيوانية وهي البائعة فباعت النفس الناطقة من الله وما كان لها مما لها به نعيم من ما لها بعوض وهو الجنة والسوق المعترك فاستشهدت فأخذها المشتري إلى منزله وأبقى عليها حياتها حتى يقبض ثمنها الذي هو الجنة فلهذا قال في الشهداء إنهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين ببيعهم لما رأوا فيه من الربح حيث انتقلوا إلى الآخرة من غير موت وقبض الحق النفس الناطقة إليه وشغلها بشهوده وما يصرفها فيه من أحكام وجوده فالإنسان المؤمن يتنعم من حيث نفسه الحيوانية بما تعطي الجنة من النعيم ويتنعم بما يرى مما صارت إليه من النعيم نفسه الناطقة التي باعها بمشاهدة سيدها فحصل للمؤمن النعيمان فإن الذي باع كان محبوبا له وما باعه إلا ليصل إلى هذا الخبر الذي الذي وصل إليه وكانت له الحظوة عند الله حيث باعه هذا النفس الناطقة العاقلة وسبب شرائه إياها إنها كانت له بحكم الأصل بقوله ونفخت فيه من روحي فطرأت الفتن والبلايا وادعى المؤمن فيها فتكرم الحق وتقدس ولم يجعل نفسه خصما لهذا المؤمن فإن المؤمنين إخوة فتلطف له في إن يبيعها منه وأراه العوض ولا علم له بلذة المشاهدة لأنها ليست له فأجاب إلى البيع فاشتراها الله تعالى منه فلما حصلت بيد المشتري وحصل الثمن تصدق الحق بها عليه امتنانا لكونه حصل في منزل لا يقتضي له الدعوى فيما لا يملك وهو الآخرة للكشف الذي يصحبها وقد مثل هذا الذي قلناه رسول الله ص حين اشترى من جابر بن عبد الله بعيره في السفر بثمن معلوم واشترط عليه البائع جابر بن عبد الله ظهره إلى المدينة فقبل الشرط المشتري فلما وصل إلى المدينة وزن له الثمن فلما قبضه وحصل عنده وأراد الانصراف أعطاه بعيره والثمن جميعا فهذا بيع وشرط وهكذا فعل الله سواء اشترى من المؤمن نفسه بثمن معلوم وهو الجنة واشترط عليه ظهره إلى المدينة وهو خروجه إلى الجهاد فلما حصل هناك واستشهد قبضه الثمن ورد عليه نفسه ليكون المؤمن بجميعه متنعما بما تقبله النفس الناطقة
(٢٧١)