يدعى صاحبها عبد الحكيم قال الله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما كثره الله لا تدخله قلة كما إن ما عظم الله ما يدخله احتقار وامتن على داود بأن آتاه الحكمة وفصل الخطاب وهو من الحكمة فإنه لفصل الخطاب موطن يعطي الحكمة لصاحبها أن لا يظهر منه في ذلك الموطن إلا فصل الخطاب وهو الإيجاز في البيان في موطنه لسامع خاص لذي حال خاص والإسهاب في البيان في موطنه لسامع خاص ذي حال خاص ومراعاة الأدنى أولى من مراعاة الأعلى فإن ذلك من الحكمة فإن الخطاب للأفهام فإذا كرر المتكلم الكلام ثلاث مرات حتى بفهم عنه كما كان كلام رسول الله ص فيما يبلغه عن الله للناس يراعي الأدنى ما يراعي من فهم من أول مرة فيزيد صاحب الفهم في التكرار أمور ألم تكن عنده أفادها إياه التكرار والأدنى الذي لم يفهم فهم الأول فهم بالتكرار ما فهمه الأول بالقول الأول ألا ترى العالم الفهم المراقب أحواله يتلو المحفوظ عنده من القرآن فيجد في كل تلاوة معنى لم يجده في التلاوة الأولى والحروف المتلوة هي بعينها ما زاد فيها شئ ولا نقص وإنما الموطن والحال تجدد ولا بد من تجدده فإن زمان التلاوة الأولى ما هو زمان التلاوة الثانية فافهم فتعطي هذه الحضرة علم الترتيب وإعطاء كل شئ حقه وإنزاله منزلته فيعلم العبد المراقب أن الله هو واضع الأشياء وهو الحكيم فما وضع شيئا إلا في موضعه ولا أنزله إلا منزلته فلا تعترض على الله فيما رتبه من الكائنات في العالم في كل وقت ولا يرجح نظره وفكره على حكمة ربه فيقول لو كان كذا في هذا الوقت لكان أحسن في النظم من الترتيب فما أخطأ إلا في قوله في هذا الوقت لا في قوله لو كان كذا لكان أحسن فلما غابت عنه حكمة الوقت تخيل أن ذلك الذي هو أحسن إن هذا الوقت يقتضيه وهذا نظر عقلي فإن الأزمنة لكل ممكن على نسبة واحدة فليس زمان لشئ بأولى من زمان آخر ولكن أين فائدة المرجح إلا علمه بالزمان وما يقتضيه لأنه خالق الزمان وما هذا الناظر خالق الزمان فهو يعلم ما خلق فما رتب فيه إلا ما استحقه بخلقه فإنه أعطى كل شئ خلقه فالحكيم من حكمته الحكمة فصرفته لا من حكم الحكمة فإنه من حكم الحكمة له المشيئة فيها ومن حكمته الحكمة فهي المصرفة له وإذا قامت الصفة بالموصوف أعطته حكمها عطاء واجبا قال تعالى ما يبدل القول لدي فالحكم للقول وذلك ليس إلا لله أو لرجل متحقق بالله قد طالع القول الإلهي ومن هنا تعلم ما هو النسخ فإن مفهوم النسخ في القائلين به رفع الحكم بحكم آخر كان ما كان من أحكام الشرع فإن السكوت من الشارع في أمر ما حكم على ذلك المسكوت عنه فما ثم إلا حكم فهو تبديل وقد قال تعالى ما يبدل القول لدي فما ثم نسخ على هذا القول ولو كان ثم نسخ لكان من الحكمة وصورته إن الزمان إذا اختلف اختلف الحكم بلا شك فالنسخ ثابت أبدا لأن الاختلاف واقع أبدا فالحكمة تثبت النسخ والحكمة ترفع النسخ ولكن في مواطن معينة تطلبها لذاتها فيوفيها الحكيم ما تستحقه من ذلك فالحكيم من قامت به الحكمة فكان الحكم لها به كما كان الحكم له بها فهو عينها وهي عينه فالحكمة عين الحاكم عين المحكوم به عين المحكوم عليه فالحكمة علم خاص وإن عمت والفرق بينها وبين العلم أن الحكمة لها الجعل والعلم ليس كذلك لأن العلم يتبع المعلوم والحكمة تحكم في الأمر أن يكون هكذا فيثبت الترتيب في أعيان الممكنات في حال ثبوتها بحكمة الحكيم لأنه ما من ممكن يضاف إلى ممكن إلا ويمكن إضافته إلى ممكن آخر لنفسه لكن الحكمة اقتضت بحكمها أن ترتبه كما هو بزمانه وحاله في حال ثبوته وهذا هو العلم الذي انفرد به الحق تعالى وجهل منه وظهر به الحكم في ترتيب أعيان الممكنات في حال ثبوتها قبل وجودها فتعلق بها العلم الإلهي بحسب ما رتبها الحكيم عليه فالحكمة أفادت الممكن ما هو عليه من الترتيب الذي يجوز خلافه والترتيب أعطى العالم العلم بأن الأمر كذا هو فلا يوجد إلا بحسب ما هو عليه في الثبوت الذي هو ترتيب الحكيم عن حكم الحكمة فقد بان لك الفرقان بين العلم والحكمة فما يبدل القول لديه فإنه ما يقول إلا ما رتبته الحكمة كما أنه ما علم إلا ما رتبته الحكمة فيقول للشئ كن فيكون بالحال الذي هو عليه كان ما كان فمن هذه القوة يقول الناظر في الأمر لو كان كذا لجوازه عنده فإذا علم حكمة الله يقول بأنه يجهل حكمة الله في هذا الوضع الذي يقتضي في نظري لو كان خلافه لكان أحسن لكن لله فيه علم لا أعرفه وصدق ومن الناس من يفتح له في سر ذلك الترتيب ومن الناس من لا يعلم ذلك إلا بعد ما يقع حكمه في الوجود
(٢٥٨)