فكل من في السماوات ومن في الأرض آتي الرحمن عبدا والسماء والأرض أتيا إلى الرحمن طائعين وكل عبد فقير لسيده وخادم القوم سيدهم لقيامه بمصالحهم والعبد هو من يقوم في خدمة سيده لبقاء حقيقة العبودة عليه والسيد يقوم بمصالح عبيده لبقاء اسم السيادة عليه فلو فنى الملك فنى اسم المالك من حيث ما هو مالك وإن بقيت العين فتبقى مسلوبة الحكم لأنه لا فائدة للأشياء لا بأحكامها لا بأعيانها ولا تكون أحكامها إلا بأعيانها فأعيانها مفتقرة إلى أحكامها وأحكامها مفتقرة إلى أعيانها وأعيان من تحكم فيهم فما ثم إلا حكم وعين فما ثم إلا مفتقر ومفتقر إليه ولله الأمر جميعا يعلم ما تكسب كل نفس فأتى بكل وهي حرف شمول فشملت كل نفس فما تركت شيئا في هذا الوضع وسيعلم الكافر الذي ستر عنه هذا العلم في الحياة الدنيا لمن عقبى الدار في الدار الآخرة حيث ينكشف الغطاء عن الأعين فيعلم من كان يجهل ويفضل عليه من علمه هنا في الحياة الدنيا وهم أهل البشرى وكل من تحقق أمرا كان بحسب ما تحققه من قدر القوت فقد قدرا * والقوت ما اختص بحال الورى بل حكمه سار فقد عمنا * ونفسه فانظر ترى ما ترى كل تغذى فيه قام في * وجوده حقا بغير افترا فقوت القوت الذي يتقوت به هو استعماله فالمستعمل قوت له لأنه ما يصح أن يكون قوتا إلا إذا تقوت به فاعلم من قوتك ومن أنت قوته روينا عن عالم هذا الشأن وهو سهل بن عبد الله التستري أنه رضي الله عنه سئل عن القوت فقال الله فقيل له عن الغذاء نسألك فقال الله لغلبة الحال عليه فإن الأحوال هي ألسنة الطائفة وهي الأذواق فنبهه السائل على ما قدر ما أعطاه حاله في ذلك الوقت فقال يا سهل إنما أسألك عن قوت الأجسام أو الأشباح فعلم سهل أن السائل جهل ما أراده سهل فنزل إليه في الجواب بنفس آخر غير النفس الأول وعلم أنه رضي الله عنه جهل حال السائل كما جهل السائل جوابه فقال له سهل ما لك ولها يعني الأشباح دع الديار إلى بانيها إن شاء خربها وإن شاء عمرها فما زال سهل عن جوابه الأول لكن في صورة أخرى وعمارة الدار بساكنها فالقوت لله كما قال أول مرة إلا أن السائل قنع بالجواب الثاني لنزوله من النص إلى الظاهر وهكذا أكثر أجوبة العارفين إذا كانوا في الحال أجابوا بالنصوص وإذا كانوا في المقام أجابوا بالظواهر فهم بحسب أوقاتهم وهذا القدر من التنبيه على شرف هذه الحضرة كاف إن شاء الله والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الاكتفاء) إن الحسيب هو العليم بما لنا * وبماله فالكل في الحسبان لو تعلمون بما أقول وصدقنا * فيه وفي الأكوان والإنسان إني نطقت به وعنه وليس لي * عين تنطقني سوى المحسان يدعى صاحبها عبد الحسيب وأدخلها القائلون بحصر الأسماء في الصفات السبعة في صفة العلم وقد جاء في مدلول هذه الحضرة الأمران الواحد مثاله وتحسبهم أيقاظا وأمثاله والثاني ومن يتوكل على الله فهو حسبه أي به تقع له الكفاية فلا يفتقر إلى أحد سواه وعند الكشف يعلم المحجوب إن أحدا ما افتقر إلا إلى الله لكن لم يعرفه لتحليه في صور الأسباب التي حجبت الخلائق عن الله تعالى مع كونهم ما شاهدوا إلا الله ولهذا نبههم لو تنبهوا بقوله تعالى وهو الصادق يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله لعلمه بفقرهم إليه فلم يتنبه لهذا القول إلا من فتح الله عين فهمه في القرآن وعلم أنه الصدق والحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فكلام الحق لا يعلمه إلا من سمعه بالحق فإنه كلام لا يكفيه سماع * كلام ما له فينا انطباع * فنسمعه ونتلوه حروفا * بنظم لا يداخله انصداع فقول الله هذا القول الساري القديم الطارئ من سمعه تكلم به ومن لم يسمعه ما سمع إلا هو ولم يتكلم به وما تكلم إلا به فصاحب الحجاب لا يعلم ذلك إلا بالخبر مثل قول الله فأجره حتى يسمع كلام الله ومثل المصلي إذا قال سمع الله لمن حمده وكل
(٢٤٩)