في الإرادة في بعض الناس وذمهم بذلك فقال تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ونعني بالدار الآخرة هنا الجنة خاصة دون النار نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض وسواء حصل لهم ذلك المراد أو لم يحصل فقد أرادوه وحصل في نفوسهم وما بقي إلا أن يحصل في نفوس الغير الذي كني عنها بالأرض والعلماء بالله لا يريدون علوا في الأرض لأنه علو مكتسب ولا يريدون ما يقع عليه اسم الكسب وإنما يريدون ما تقتضيه ذواتهم من حيث ما يشهدون من افتقروا إليه في وجودهم خاصة فما لهم نظر إلا إليه لا فيه لأنه ممنوع لنفسه أعني النظر فيه الذي هو الفكر في ذاته فالذي يعطي العلو هذه الحضرة إنما هو السعادة لا التكبر فالعلو الذي تعطي هذه الحضرة لأجل السعادة إنما هو علمهم بذواتهم ليعلموا أن الحادث في مقام الانحطاط عما يجب لله من العلو ويكفيهم من العناية الإلهية إن حصلوا مع الحق في باب الإضافة أي بهم كان عليا * وبه كانوا سفالا * لم أجد لله فينا * غير ما قلنا مثالا فهو التاج علينا * عند ما كنا نعالا * وهو البدر المسمى * عند ما كان هلالا صير الإله ذاتي * لرحى الكون ثقالا * فله التعظيم منا * جل قدرا وتعالى جعل الإله فينا * لشيوخنا محالا * فإذا لم يستفلوا * كان جعلهم محالا وإذا هم استفلوا * لم أجد عنهم زوالا * فبذاتي وبربي * كنت حرما وحلالا وبربي لا بكوني * صير الضعف محالا * وسقاني كأس حظي * طيبا عذبا زلالا فلصحوي عند شربي * لم أجد منه خبالا * ولسكري منه أيضا * كنت في نفسي خيالا لم يكن فيه سوائي * فلذا كونت آلا * من يراني ما يراني * فالهدى صار ضلالا وانتقلنا عنه سرا * للذي شاء انتقالا * لم أجد عند انتقالي * عنه في نفسي كلالا فنعم لم أر فيه * عند ما قلت ولا لا * ثم لم يكن سكوت * عند قولي واستحالا فلذا قد حرت فيه * ولذا ذقت وبالا * جبت غربا ثم شرقا * وجنوبا وشمالا ثم أنشأنا سحابا * من عطاياه ثقالا * ثم نودينا وجدتم * في وجودكم منالا وما حصل التشريف للممكنات إلا بإضافتها إلى الله وهذا التشريف في حقنا هو أعظم تشريف إمكاني فعلو الإنسان عبودته لأن فيها عينه وعين سيده والمتلبس بصفة سيده لابس ثوب زور ليس عليه منه شئ ولا تقبله ذاته وهو يعلم ذلك من نفسه وإن جهله غيره واعترف له بالعلو عليه فمن وجه ما لا من جميع الوجوه فإنه يعلمه أنه هو فهوية ما سوى الحق معلومة لا تجهل ولولا معقولية المكانة ما اعترف مخلوق بعلو مخلوق فلهذا لا يعظم أحد في عين أحد لذاته إلا المحبوب خاصة فإنه يعظم في عين محبه لذاته فكل شئ يكون منه يتلقاه المحب الصادق الحب بالقبول والرضي وما كل محب محب لأن طلب الغرض من المحب لا يصح في الحب الصادق الذي استفرع قواه وإنما ذلك لمن بقيت فيه فضلة يعقل بها أنه محب وإن محبوبه غير له ولما وصف الحق نفسه بالنزول كان هذا النزول عين الدليل على نسبة العلو لأنه لو وقف مع قوله على العرش استوى واكتفى ولم يذكر النزول وكل جزء من الكون عرشا له لأنه ملكه فما تحقق له العلو إلا باتصافه بالنزول إلى السماء الدنيا فأثبت له علو المكان وأثبت الاستواء على العرش المكانة والقدر فبالاستواء هو في السماء إله وفي الأرض إله وهو معكم أينما كنتم وبالنزول ظهر الحد والمقدار فعلمنا بالنزول في أي صورة تجلى ولمن نزل وتدلى وله الحمد أي عاقبة الثناء ترجع إليه في الآخرة وهو النزول والأولى وهو الاستواء فعم علوه وتحقق دنوه فطوبى للتائبين والداعين والمستغفرين فيا ليت شعري هل يسمعون قوله تعالى ذلك نعم العارفون يسمعونه وأهل الحضور مع إيمانهم بهذا الخبر يسمعونه وما عدا هذين الصنفين فلا يسمعه وما عرفنا الله تعالى بأنه كلم موسى تكليما إلا لنتعرض إلى هذه النفحة الإلهية والجود لعل نسيما يهب علينا منها فيأخذ الناس هذا التعريف بأن الله كلم موسى ثناء على موسى ع خاصة نعم هو ثناء
(٢٤٤)