وينعدم من الوجود بعدمها ما لم تكن صورة أخرى تقوم به والكل عند الله فإن الله عين شيئيته فما ثم معقول ولا موجود يحدث عنده بل الكل مشهود العين له بين ثبوت ووجود فالثبوت خزائنه والوجود ما يحدثه عندنا من تلك الخزائن فصورة الماء في الجليد معقولة ينطلق عليها اسم جليد والماء في الجليد بالقوة فإذا طرأ على الجليد ما يحلله فإنه يصير ماء فظهرت وحدثت صورة الماء فيه ومنه وزال عنه اسم الجليد وصورته وحده وحقيقته وكان عندنا قبل تحلله أنه خزانة من خزائن الغيث فظهر أنه عين المخزون فكان خزانة بصورة ومخزونا بصورة غيرها وهكذا حكم ما يستحيل هو عين ما استحال وعين ما يستحيل إليه وإنما جئنا بهذا المثال المحقق لما نعاينه من صور التجلي في الوجود الحق لنلحق بذلك صور العالم كله في وجود الحق فنطلق عليه خلقا كما يطلق على الماء الذي تحلل من الجليد ماء ويطلق عليه ذلك إطلاقا حقيقيا لأنه ليس غير ما تحلل مما كان اسم الجليد له فهو حق بوجه خلق بوجه هذا ينتجه وأمثاله هذا الذكر من العلم الإلهي ومن هنا تعلم جميع المحدثات ما هي ومتى ينطلق عليها اسم الحدوث ومتى تقبل اسم القدم وهو علم نفيس يخص الله به من شاء من عباده وذلك هو الفضل المبين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والتسعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله إنما يخشى الله من عباده العلماء وما أشبه هذا من الآيات القرآنية) إنما يخشى الإله الحق من * يعلم الحق ويبقى رسمه فإذا ما فنى الكل به * فنى العالم فيه واسمه إنما العلم الذي ينفعنا * كل علم قد شهدنا حكمه فهو العلم الذي نعرفه * وبه يعلم علمي علمه الخشية من صفات العلم الذي يعطي الخشية اللازمة له وعلى قدر العلم بها تكون الخشية المنسوبة إلى العالم ولا أعلم بها ممن علمه عينه فلا أخشى منه للاسم الله لجمع هذا الاسم بين الأضداد المتقابلات ومن هنا نزل قوله حتى نعلم ولما كان الأمر الذي هو علة ظهور الممكنات أينما ظهر منها ليس إلا أحكام الأسماء الإلهية فما من اسم إلهي إلا وهو يخشى الله لعلمه بما عنده من الأسماء التي تقابل هذا الاسم الوالي في الحال صاحب الحكم فيقول كما وولاني ولم أكن واليا على هذا المحل الخاص الذي ظهر فيه حكمي قد يعزلني عن ذلك بوال آخر يعني بحكم اسم آخر إلهي فلا أعلم من الأسماء الإلهية فلا أخشى منها لله فإن الله له التصرف فيها بالتولي والعزل وهو الواقع في الوجود فمنها ما يقع عن سؤال من الكون ومنها ما يقع عن غير سؤال بل يقع بانتهاء مدة الحكم فيكون نسخا فكما انطلق على العلماء من المحدثات اسم الخشية لله انطلق على الأسماء الخشية لله ولسؤال المحدثات في رفع أحكام الأسماء الإلهية صارت الأسماء الإلهية التي لها الحكم في الوقت تخشى سؤال المحدثات الله في رفع حكمها عن ذلك المحل كقول أيوب ع إذ نادى ربه أني مسني الضر يطلب عزل الاسم الضار وإزالة حكمه فعزل الله حكمه فانعزل بزوال حكمه وتولى موضعه الاسم النافع فكشف الله ما به من ضر فصارت الأسماء الإلهية تخشى الله لما بيده من العزل والتولية وتخشى العالم لما عنده من السؤال وعند الله من القبول لسؤال العالم ولا سيما أهل الاضطرار ثم ننظر إلى انتهاء مدة أحكامها فتترقب العزل كما أيضا ترجوه لمشاهدتهم التولية فلا شئ من الأسماء أكثر خشية من المنتقم فإنه يرى ويشاهد زوال حكمه فعلا ولا يبقى له حكم في الوجود ويكون بالقوة في الحق ومن جرى مجراه من الأسماء الإلهية فتفطن لخشية الأسماء الإلهية العالم فإنك إذا كوشفت عليه رأيت أنه لولا ما هو حق بوجه ما صح أن تخشاه الأسماء الإلهية لأنه لا يخشى ولا يرجى في الحقيقة إلا الله ولا يخشاه إلا العالم ولا أعلم من الله فلا يخشى الله إلا الله لكن الصور مختلفة لاختلاف النسب أو النسب مختلفة لاختلاف الصور فلو لا النسب ما حدثت الصور ولولا الصور ما علم اختلاف النسب فالوجود مربوط بعضه ببعضه فإبرامه عين نقضه ثم إنه في هذا الذكر إن الله عزيز غفور فعزته امتناعه تعالى عن أن يكون له حكم الأسماء الإلهية من نظر بعضها إلى بعض كما ينظر العالم بعضه إلى بعض فيتصف لذلك بالخوف والرجاء والكرة والمحبة والله عزيز عن مثل هذا فإنه الذي يخاف
(١٣٠)