اقتضاءه الجواز من جهة عدم تحقق موجب اللزوم، فإن موجبه إما الحكم الشرعي التعبدي كما في النكاح والضمان، وإما من جهة التزام المتعاقدين به مع الإمضاء الشرعي كما في البيع العقدي والمعاطاة فاقدة لكل منهما.
والحاصل: أن الجواز على أقسام ثلاثة:
أحدها: الجواز الحكمي، كالجواز في الهبة مقابل اللزوم في النكاح.
ثانيها: الجواز الحقي، كالعقد الخياري، سواء كان الخيار بجعل شرعي كخيار المجلس ونحوه، أو بجعل من المتعاقدين كخيار الشرط، فإن الجواز على كلا التقديرين حق مالكي في مقابل اللزوم العقدي، بمعنى: أن الالتزام العقدي يملكه أحدهما أو كلاهما على ما سيجئ في مبحث الخيار، ويظهر في محله أن حقيقة الخيار هو ملك كلا الالتزامين.
وثالثها: الجواز، لعدم تحقق منشأ اللزوم كما في المعاطاة، فإن الفعل بقصد تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله لا يقتضي إلا نفس هذا التبديل، ولا يدل إلا على التزام كل من المتعاقدين بما التزما به فلا التزام فيه، فلا موجب للزوم، وهذا بخلاف القول، فإن قوله: (بعت) ينشأ به معنيان:
أحدهما بالمطابقة، وهو تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله الذي يحصل بالفعل أيضا.
وثانيهما بالالتزام، وهو التزام كل من المتعاقدين بما أوجداه من التبديل، ومن هذه الجهة يسمى التبديل القولي (عقدا وعهدا مؤكدا). وهذا المعنى لا يمكن أن يتحقق بالفعل الذي يحصل به التبديل، لأنه ليس للفعل دلالة الالتزام.
نعم، قد يوجد هذا المعنى بفعل آخر: كالمصافقة، كما هو المتعارف بين الدلالين، أو بين المالك والمشتري.
وأما إفادته الملكية فلأن تبديل أحد طرفي الإضافة بمثله كما يتحقق بالقول كذلك يتحقق بالفعل، غاية الأمر يتوقف تحققه به على قصد التمليك منه، والدليل عليه صدق البيع عليه عرفا، فيدل على صحته جميع الأدلة الدالة على صحة البيع