الثاني: أن العناوين المنشأة بالقول أو الفعل لا بد أن يكون القول أو الفعل فيها مصداقا لهذا العنوان بالحمل الشائع الصناعي، بحيث يحمل هذا العنوان عليه كحمل الطبيعي على مصاديقه، فإذا لم يكن الفعل مصداقا لعنوان خاص فلا يكاد يتحقق هذا العنوان ولو قصد تحققه منه، فلو ضرب الرجعية بالعصا لا يتحقق الرجوع ولو قصد بضربها الرجوع، فقصد عنوان من الفعل الذي لا يكون مصداقا لهذا العنوان - لا محالة - يكون من الدواعي لإيجاد الفعل، فإن فعل الفاعل لو لم يترتب عليه هذا الداعي لا بلا واسطة ولا مع الواسطة فلا يمكنه قصده من الفعل، بل لا محالة يكون الفعل من العلل الاعدادية لهذا الداعي، بل لو أخطأ الفاعل وتخيل ترتبه على الفعل فلا يكون الفعل أيضا مصداقا لهذا الذي تخيل ترتبه عليه، بل يكون داعيا لا محالة.
وبالجملة: الدواعي هي التي توجب إيجاد الأفعال التي يترتب عليها عنوان آخر، ويكون هذا العنوان علة إعدادية لتحقق الداعي كالسقي والحرث والزرع لحصول الحنطة ونحوها.
الثالث: أن تخلف الدواعي وغايات الأفعال لا يضر بتحقق عناوينها ولو قصد من إصدار الفعل هذه الغاية، ولا يخرج الفعل عن كونه قصديا وإراديا، لأنه إذا فرضنا أن عنوانا قصديا قصد من الفعل لأجل غاية ولم يترتب عليه هذه الغاية - كما إذا اشترى شيئا لأجل الضيف ولم يجئ الضيف - فهذا العنوان القصدي كالتملك يحصل من الشراء، وهكذا العنوان الثانوي القهري أيضا يترتب على الفعل ولو لم يترتب عليه غايته، وذلك واضح.
إذا عرفت ذلك فيمكن أن يوجه ما أفاده المشهور: من أنه ولو قصدا بالتعاطي التمليك لا يترتب عليه إلا الإباحة، بأن الفعل حيث لم يكن بالحمل الشائع الصناعي مصداقا للبيع فقصده وإيجاد ما هو غير مصداقه لا يفيد الملك، وذلك لأن البيع - على ما عرفت - (1) هو التبديل، وحيث إن التبديل ليس تبديلا