وبالجملة: لم يدل دليل غير مبتلى بالمعارض على استثناء بيع العذرة عن أنواع النجاسات.
نعم، لو قلنا: بأن النجاسة مانعة عن صحة البيع إذا توقف الانتفاع بالشئ على طهارته، وأما إذا لم يتوقف على طهارته فلا مانع من صحة بيعه. ولا شبهة أن منافع العذرة في بعض البلاد من أهم المنافع، فعلى هذا يمكن الجمع بين المتعارضين باختلاف البلاد لمناسبة بين الحكم والموضوع، ولا يبعد دعوى: كون المناسبة من القرائن المكتنفة بالكلام، فبهذه المناسبة يخرج الجمع بينهما عن الجمع التبرعي أو التورعي، ولكنه لا يخلو عن إشكال. وسيجئ ما هو الأصل في جواز البيع وعدمه في مطلق النجاسات.
ثم إن هاهنا فروعا ينبغي التعرض لها.
الأول الحق بالنجاسات المتنجسات في حرمة المعاوضة عليها، ومقتضى النبوي (1) ورواية الدعائم (2) أن تكون كذلك، ولكن ينبغي تقييدها بما توقفت منافعها المحللة المقصودة على طهارتها.
وأما إذا لم يتوقف استيفاء منفعتها على طهارتها كالفرش والأمتعة ونحو ذلك، أو أمكن تطهيرها بلا خروجها عن عنوانها: كالماء المتنجس والأواني المتنجسة فلا ينبغي الإشكال في صحة المعاملة عليها، وذلك لأنه لو لم يمكن تطهيرها وتوقف خاصيتها أو منفعتها على طهارتها كالخل النجس ونحوه فحيث إنه ليس مالا شرعا فلا يجوز المعاملة عليها. وأما لو لم يكن كذلك فحيث إن الشارع لم يسقط ماليتها فلا مانع من المعاملة عليها.
بل يمكن أن يقال - وإن لم يكن مرضيا عندنا كما سيجئ -: لم يجب على البائع إعلام المشتري بنجاستها، لعدم قيام دليل على وجوب إعلام الناس