تقع بإزاء العمل الذي هو مناط مالية المال، لا بإزاء قوله من حيث الإصدار، وهما وإن لم يكونا أمرين خارجيين متمايزين إلا أنهما شيئان اعتبارا، فللشارع التفكيك بين وجوب المصدر وملكية اسم المصدر، وليس الطبيب والصباغ والخياط كالقاضي، فإن في باب القضاء تعلق التكليف بنتيجة عمله وهو فصله الخصومة، وهذا إذا خرج عن ملكه فلا يجوز له الأجرة عليه. وأما الصباغ ونحوه فما وجب عليه هو بذل عمله وهذا الوجه وإن كان في النتيجة مشتركا مع ما يوجه به صحة الأجرة بأن الواجب النظامي لم يتعلق الوجوب به مجانا، ولكنه لا يرجع إليه، لأنه لم يقم دليل على أنه لم يجب مجانا، ولا دليل في الواجبات الغير النظامية على أنها وجبت مجانا إلا في بعضها كالقضاء ونحوه، بناء على عدم كونه نظاميا، وإلا استثني منه، بل الوجه الذي توجه به صحة الأجرة عليه هو الموجب لاستفادة عدم المجانية.
وكيف كان، لو وجب بذل العمل وحرمة احتكاره فلا مانع من أخذ الأجرة عليه وإن جاز أن يعمله تبرعا بلا إشكال. ولو وجب عليه نتيجة العمل فلا يجوز أخذ الأجرة، لأن المعنى المصدري آلي ولا يقابل بالمال، واسم المصدر خارج عن ملكه.
ونظير الأعمال في كلا الشقين الأموال أيضا، فإنه قد يتعلق تكليف أو وضع بنفس الملك كباب الخمس والزكاة، فلا يجوز أخذ العوض من مصرفه أو مستحقه، وقد يتعلق تكليف بالتمليك والإعطاء والبذل كوجوب بيع الطعام في المخمصة، فإن التكليف المتعلق بصاحب الطعام هو حرمة حبسه واحتكاره الطعام، ولم يتعلق بنفس المال.
ثم إن جواز أخذ الأجرة عليه ليس لكونه توصليا مقابلا للعبادي، لما سيجئ أن التوصليات أيضا لا يجوز أخذ الأجرة عليها، بل لكونه توصليا بمعنى آخر، وهو أن جهة وجوبه معلومة.
وبعبارة أخرى: ملاك وجوبه ومنشأ تعلق الأمر به حفظ النظام وما يتوقف عليه تعيش بني آدم، ونظام العالم هو بذل عمله، لا كون نتيجة عمله خارجا عن ملكه.