وقسم يتضمن الإعطاء من طرف والأخذ من آخر كالهبة والرهن والصلح المحاباتي.
وقسم لا يتضمن إعطاء وأخذا، بل إنما يفيد إباحة أو سلطنة على التصرف أو الحفظ كالعقود الإذنية من الوكالة والعارية والوديعة.
ثم إن تمييز الموجب عن القابل في القسم الأول تارة يكون بالقصد والاعتبار، وأخرى يكون بذاته، وذلك فيما إذا أتى القابل ما ينشئه بلفظ (قبلت)، فإن اختلاف الموجب والقابل في البيع والنكاح إنما هو بالاعتبار، فإن العرف والعادة بناؤهم على أن الزوجة معطية نفسها للزوج وهي الموجبة، والزوج يقبل الزوجية ويعطي المهر بدلا عن إعطائها، وبناؤهم على أن مالك العروض هو الموجب، ومالك الثمن هو القابل.
وإذا كان كل من العوضين عروضا أو ثمنا فمن قصد تمليك ماله من غيره بعوض فهو البائع، ومن قصد تملك مال غيره بعوض فهو المشتري والقابل، فإن الموجب والقابل في عقود المعاوضة كل منهما ينشئ أمرين: أحدهما بالمطابقة، وثانيهما بالالتزام، فالموجب ينقل ماله إلى ملك المشتري مطابقة، ويتملك مال المشتري عوضا عن ماله التزاما، والقابل بعكس ذاك.
وعلى هذا، فلو لم يكن هناك لفظ يدل على نحو القصد كما إذا أنشأ كل منهما بلفظ (شريت) فنقول: المقدم هو الموجب، والمتأخر هو المشتري. ولو اشتبه أو تقارن وقلنا بصحته فلا يترتب الأثر الخاص على كل منهما كما أوضحنا في المعاطاة.
وأما في الصلح المعاوضي فالتفاوت بينهما لا يمكن إلا بأن ينشئ أحدهما عنوان الصلح، والآخر قبول ذلك العنوان، لأن كلا منهما ينشئ المسالمة والمصالحة على أمر، فإذا لم ينشئ أحدهما بلفظ القبول فلا يرتبط إنشاء أحدهما بإنشاء الآخر، ويصير كل من الإنشاءين إيقاعا مستقلا.
وأما في القسم الثاني والثالث فتمييز الموجب عن القابل في غاية الوضوح، فإن الواهب والراهن والمصالح هو الموجب، فإنه هو الذي يعطي ماله، والمتهب