ممن يعلم بأنه يعمله خمرا فيحرم، لأن المفروض أن البائع يقصد ببيعه حصول الخمر من المشتري، فبيعه بقصد تخمير المشتري إعانة على الإثم.
وبعبارة أخرى: لا نقول بحرمة البيع بقصد توصل الغير إلى الحرام، لكونه إعانة على الشراء حتى يقال بعدم المعان عليه، بل لكونه إعانة على التخمير.
وعلى هذا، فظهر الفرق بين الإعانة بالعصا والإعانة بالبيع أيضا، فإن الأول يحرم ولو لم يقصد به توصل الغير إلى الحرام، بخلاف الثاني.
فتحصل مما ذكرنا: أن كل فعل وقع من المعين ولم يكن بينه وبين فعل العاصي غير اختياره العصيان فهذا حرام ولو لم يقصد بفعله توصل العاصي به إلى العصيان، ويندرج فيه: إعطاء العصا ممن كان مصمما لضرب مظلوم، وبيع السلاح من أعداء الدين حين قيام الحرب، وإعطاء الكأس لمن أراد شرب الخمر، وبيع العصير المتنجس على مستحله، وإعطاء السيف لمن يريد أن يقتل أحدا... وهكذا.
وكل فعل لا يقع الحرام به، بل يتوقف على أمور أخر: كبيع العنب ممن يجعله خمرا، فهذا لا يندرج تحت الإعانة على الإثم إلا إذا قصد البائع به توصل المشتري بالعنب إلى التخمير، فإن الشراء الذي هو مقدمة الحرام وإن لم يكن بحرام إلا أن البائع حيث قصد من بيعه كون المشتري متمكنا من التخمير فيندرج في الإعانة على الإثم.
ثم إنه قد يستدل (1) بحرمة بيع العنب ممن يعلم أنه يعمله خمرا: بأن دفع المنكر كرفعه واجب، ولا يتم إلا بترك البيع فيجب تركه، فيحرم فعله.
ولا يخفى أن هذا الاستدلال يصح إذا فرضنا أن ترك البيع يؤثر في ارتداع الخمار عن التخمير، فبناء على تأثيره فيه يمكن دعوى حرمة البيع من باب ثبوت الملازمة عرفا بين وجوب رفعه بعد تحققه والمنع عن تحققه، ولذا يقال بحرمة تنجيس المسجد من جهة استكشافها عن وجوب إزالة النجاسة عنه.
وأما لو لم يؤثر ترك البيع في ترك التخمير لوجود العنب عنده أو وجود مائع