الثانية: لا شبهة في الفرق بين الحكايات والإيجاديات، فإن الحكايات لا يتعلق غرض بها إلا إظهار ما في الضمير وإلقاء المقصود إلى المخاطب، فكل لفظ لم يكن خارجا عن أسلوب المحاورة يصح إظهار ما في الضمير به، سواء كان الاستعمال حقيقة أم مجازا، صريحا أم كناية، كانت قرينة المجاز حالية أو مقالية، كان المجاز بعيدا أو قريبا، وهذا بخلاف الإيجاديات فإنها لا توجد إلا بما هو آلة لإيجادها ومصداقا لعنوانها، فلو لم يكن شئ مصداقا لعنوان وآلة لإيجاده، بل كان للازمه أو ملازمه لم يوجد الملزوم أو الملازم الآخر به وإن كان الغرض من ايجاد اللازم أو الملازم إيجاد الملزوم أو الملازم الآخر بحيث كان هو المقصود الأصلي، إذ لا عبرة بالدواعي والأغراض في الإيجادات، فلو قصد البيع وأتي بغير ما هو مصداقه فلا أثر له، ولذا لا يرتبون الآثار على الشروط البنائية التي لم تذكر في متن العقد.
ثم إن الإيجاد المعتبر في العقود غير الإيجاد الحاصل في سائر الإنشائيات وغير الإيجاد الحاصل في معاني الحروف، فإن الهيئة في سائر الإنشائيات وضعت لإلقاء الحدث على الفاعل، وإيجاد النسبة بين الفاعل والفعل وبإيجاد النسبة إذا كان المتكلم في مقام البعث والتشريع يتحقق مصداق للأمر، وإذا كان في مقام السؤال يتحقق مصداق للاستفهام، وإذا كان في مقام إظهار المحبة في وقوع النسبة يتحقق التمني والترجي ونحو ذلك.
وأما الهيئة في باب العقود فمضافا إلى أن بها تتحقق النسبة توجد المادة بها أيضا إذا كان المتكلم في مقام الإنشاء، فإنه بقوله: (بعت) يوجد البيع. وأما الإيجاديات في باب الحروف فقوامها بأمور أربعة:
الأول: كون معنى الحروف إيجاديا لا إخطاريا.
الثاني: كونه قائما بغيره.
الثالث: عدم التقرر له في غير وعاء الاستعمال.
الرابع: كون المعنى حين إيجاده مغفولا عنه.