فلو أكره على شرب أحد الإنائين اللذين أحدهما نجس والآخر نجس ومغصوب فالإكراه إنما يتعلق بالنجس، فلا يجوز شرب ما هو مغصوب ونجس.
وهكذا لو أكره على شرب الخمر أو الماء فالإكراه يتعلق بالماء، وذلك لأن الحامل له على العمل وإن لم يتعلق غرضه بخصوص ما لا أثر له، بل غرضه تعلق بالقدر المشترك، وانطباقه على الأفراد عقلي، إلا أن هذا يصح فيما كان الأفراد متساوية. وأما لو لم تكن كذلك بل كان أحد الأفراد ممتنعا تكوينا أو شرعا فالانطباق يقع على ما عدا ذلك، لوضوح الفرق بين الاكراه على أحد الإنائين اللذين كل منهما خمر، والإكراه على أحد الإنائين اللذين أحدهما خمر والآخر ماء، فإن المكره لا يكون في الثاني مكرها على شرب الخمر وإن كان مكرها على شرب المائع، بخلاف الأول فإنه - على أي حال - لا مفر له منه.
ولو قلنا بأن في المثال الثاني أيضا مكره عليه فلا وجه لتقديم أدلة المحرمات على أدلة الاكراه، مع أن الحكومة بالعكس، بل الحق أنه ليس مكرها على المحرم، لأن اختيار ماله أثر زائد على القدر المشترك ليس إلا عن طيب النفس به.
ومنها: الاكراه على أحد المحرمين اللذين أحدهما أشد عقوبة من الآخر، وفي هذه الصورة ارتكاب الأشد وإن لم يجز إلا أنه لا لكونه مختارا فيه، بل لكون الآخر أقل قبحا منه، فإنه - على أي حال - مكره على ارتكاب المحرم، ولكن العقل يحكم بتقديم الأقل قبحا.
ويمكن أن يقال في هذه الصورة أيضا: ارتكاب أشدهما عقوبة أيضا يخرج عن عنوان الاكراه، فإن القدر المشترك هو أصل الحرمة والزيادة بمنزلة عنوان آخر يختص بفرد دون الآخر.
ومنها: ما لو أكره على بيع شئ أو أداء مال مستحق عليه، فإذا اختار البيع لم يكن مكرها، كما لو أكره، إما على شرب الخمر، أو فعل الصلاة الواجبة عليه فإن اختيار شرب الخمر يقع عن غير كره.
والسر في ذلك أن القدر المشترك لا أثر له، والخصوصية غير مكره عليها،